إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت اهـ فتح الملهم.
قال القرطبي: قوله: (كالكير) هذا تشبيه واقع لأن الكير لشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد حتى لا يبقى إلا خالص الجمر والنار، هذا إن أراد بالكير النفخ الذي تنفخ به النار وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند أهل اللغة فيكون معناه أن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والذهب والفضة ويخرج خلاصة ذلك والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفس من شهواتها وشرهها وميلها إلى اللذات والمستحسنات فيتزكى النفس في أدرانها وتبقى خلاصتها فيظهر سر جوهرها وتعم بركاتها، ولذلك قال في الرواية الأخرى:(تنفي خبثها وينصع طيبها). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [٢/ ٤٢٩].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له فقال:
٣٢٣٤ - (١٢٩٩)(٤٩)) وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما ترئ عليه عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (٥) روى عنه في (١٦) بابا (قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ثقة، من (٣) روى عنه في (٧) أبواب (يقول: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يفول): وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمرت بـ) الهجرة والاستيطان بـ (قرية تأكل القرى) أي سائر قرى الأرض أي تغلبها، وكنى بالأكل عن الغلبة لأن الآكل غالب