على المأكول؛ أي أمرني ربي بالهجرة إليها والاستيطان بها، ووقع في موطإ ابن وهب قلت لمالك: ما (تأكل القرى)؟ قال: تفْتح القرى، وبسطه ابن بطال فقال: معناه يفتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم ويسبون ذراريهم قال: وهذا من فصيح الكلام، تقول العرب: أكلنا بلد كذا إذا ظهروا عليها، وسبقه الخطابي إلى معنى ذلك أيضًا، وقال النووي: ذكروا في معناه وجهين: أحدهما هذا والآخر أكلها وميرتها من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها، وقال ابن المنير في الحاشية: يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها، ومعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون عدمًا.
(قلت): والذي ذكره احتمالًا ذكره القاضي عبد الوهاب فقال: لا معنى لقوله تأكل القرى إلا رجوع فضلها عليها وزيادتها على غيرها كذا قال، ودعوى الحصر مردود لما مضى.
ثم قال ابن المنير: وقد سميت مكة أم القرى قال: والمذكور للمدينة أبلغ منه لأن الأمومة لا تنمحي إذا وجدت ما هي له أم لكن يكون حق الأم أظهر وفضلها أكثر كذا في الفتح، قال القرطبي: معنى قوله: أمرت بقرية أي أمرني ربي بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو بسكناها إن قاله بالمدينة وأكلها القرى هو أن منها افتتحت جميع القرى واليها جبي فيء البلاد وخراجها في تلك المدد وهو أيضًا من علاماته نبوته صلى الله عليه وسلم اهـ مفهم. (يقولون) أي يقول بعض الناس من المنافقين يسمونها (يثرب) كأنه صلى الله عليه وسلم كره تسميتها يثرب لأن معنى ثرب عليه يثرب عتب ولام كما في المصباح، ومنه قوله تعالى:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ} وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح (وهي) أي والحال أن اسمها الإسلامي (المدينة) أو الجملة مستانفة (تنفي) أي تخرج من جوفها (الناس) الخبائث كما ينفي الكير خبث الحديد) أي رديئه، وفي بعض الهوامش: معنى قوله: (تأكل القرى) أي تغلب البلاد وتظهر عليها يعني أن أهلها تغلب أهل سائر البلاد لأنها كانت مركز جيوش الإسلام في أول الأمر فمنها فتحت البلاد والأمصار وانتشر منها الإسلام كل الانتشار والغالب المستولي على الشيء كالمفني له إفناء الآكل المأكول اهـ قوله: (يقولون: يثرب وهي المدينة) أي