للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم جَاءَهُ فَقَال: أَقِلنِي بَيعَتِي. فَأَبَى. ثُم جَاءَهُ فَقَال: أَقِلْنِي بَيعَتِي. فَأبَى. فَخَرَجَ الأَعرَابِي. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنمَا الْمَدِينَةُ كَالكِيرِ. تَنْفِي خَبَثَهَا وَينْصَعُ طَيبُهَا"

ــ

بيعتي) أي رد علي بيعتي التي عاقدتها معك وارفعها عني ظنًّا منه أن الإقالة في البيعة جائزة قياسًا على الإقالة في البيع لأن الإقالة في البيع من مكارم الأخلاق مندوب إليها، والإقالة في البيع هو رفع العقد وإبطاله بلفظ الإقالة فهذا استعارة منه، وإقالة النادم في البيع مندوبة لحديث: "من أَقَال نَادِما أقال الله له عثرته يوم القيامة" أي من وافقه على نقض البيع وإبطاله رفعه من سقوطه وعفا عنه بخلافها في البيعة فإن استقالتها من كواذب الأخلاق لا ينبغي الموافقة عليها فلهذا أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: (فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي امتنع عن قبول إقالته، قال ابن التين: إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من إقالته لأنه لا يعين على معصية لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرج من المدينة إلا بإذن فخروجه عصيان، قال: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضًا قبل فتح مكة على كل من أسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فلما فتحت مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" ففي هذا إشعار بأن مبايعة الأعرابي المذكور كانت قبل الفتح، واختار النووي كونها على الهجرة وهي كانت فريضة في ذلك الوقت، وقال في عمدة القاري: فإن (قلت): قال الأعرابي: أقلني، لِمَ لَمْ يُقِلْهُ؟ (قلت): لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه، وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على المقام عنده (ثم جاءه) صلى الله عليه وسلم الأعرابي مرة ثانية (فقال: أقلني بيعتي، فأبى) أي امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقالة بيعته (ثم جاءه) مرة ثالثة (فقال: أقلني بيعتي، فأبى) رسول الله صلى الله عليه وسلم من موافقته على الإقالة (فخرج الأعرابي) من المدينة إلى وطنه وبدوه من غير إذنه صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما المدينة كالكير تنفي) أي تخرج (خبثها) أي خبث من فيها من المنافقين (وبنصع) بفتح الياء والصاد أي يصفو ويخلص ويتميز (طيبها) أي

<<  <  ج: ص:  >  >>