لا يطلب امرأة لنكاح أي زواج، ورُويت الكلمات الثلاث بالنفي والنهي، وذكر الخطابي أنها على صيغة النهي أصح على أن النفي بمعنى النهي أيضًا بل أبلغ، والأولان للتحريم والثالث للتنزيه عند الشافعي فلا يصح نكاح المحرم ولا إنكاحه عنده والكل للتنزيه عند أبي حنيفة.
قال القرطبي: قوله: (ولا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب) لا خلاف في منع المحرم من الوطء، والجمهور على منعه من العقد لنفسه ولغيره ومن الخطبة كما هو ظاهر هذا الحديث، وكما دل عليه قوله تعالى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ}[البقرة: ١٩٧] على أحد التأويلات المتقدمة في كتاب الحج، وذهب بعضهم إلى أنَّه يجوز للمحرم ذلك تمسكًا بحديث ابن عباس التالي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. وهذا لا حجة فيه لأوجه:(١) أحدها إن هذا الحديث مما انفرد به ابن عباس دون غيره من كبراء الصحابة ومعظم الرواة. (٢) وثانيها إنكار ميمونة لهذا وإخبارها بأنه صلى الله عليه وسلم تزوج بها وهو حلال وهي أعلم بقصتها منه. (٣) وثالثها أن بعض أهل النقل والسير ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مولاه أبا رافع من المدينة فعقد نكاحها بمكة بوكالة النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك، ثم وافى النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا فبنى بها بسرف حلالًا وأشهر تزوجها بمكة عند وصوله إليها. (٤) ورابعها أن قول ابن عباس (وهو محرم) يحتمل أن يكون دخل في الحرم فإنه يقال أحرم إذا دخل في الحرم، واسم الفاعل منه محرم كما يقال: أنجد وأتهم وهو منجد ومتهم إذا دخل ذلك. (٥) وخامسها تسليم ذلك كله وادعاء الخصوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد ظهرت تخصيصاته في باب النِّكَاح بأمور كثيرة كما خُص بالموهوبة وبنكاح تسع وبالنِّكَاح من غير ولي ولا إذن الزوجة كما فعل مع زينب إلى غير ذلك. (٦) وسادسها أن هذه حكاية حال واقعة معينة تحتمل أنواعًا من الاحتمالات المتقدمة، والحديث المقتضي للمنع ابتداء تقعيد قاعدة وتقريرها فهو أولى على كل حال والله الموفق اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [١٨٤١]، والترمذي [٨٤٠]، والنسائي [٥/ ١٩٢].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان رضي الله عنه فقال: