أنه نظر أعلاها وأسفلها والتشديد في الفعلين إما للمبالغة في التأمل، وإما للتكرير، وفيه جواز تأمل محاسن النساء لإرادة تزويجها وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها لأنه صلى الله عليه وسلم صعد النظر فيها وصوبه، وفي الصيغة ما يدل على المبالغة في ذلك ولم يتقدم منه رغبة فيها ولا خطبة، ثم قال: لا حاجة لي في النساء، ولو لم يقصد أنه إذا رأى منها ما يعجبه أن يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة، ويمكن الانفصال عن ذلك بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كانا لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره، وسلك ابن العربي في الجواب عن ذلك مسلكًا آخر فقال: يحتمل أن ذلك قبل الحجاب أو بعده لكنها كانت متلففة وسياق الحديث يبعد ما قال كذا في الفتح (ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه) أي خفض وأطرق رأسه عنها، قال القرطبي: هذا دليل على جواز نظر الخاطب إلى المخطوبة وتأمله ما لاح من محاسنها لكن وعليها ثيابها كما قال مالك، وقوله:(ثم طأطأ رأسه) هو بمعنى قوله: (فصمت) في رواية معمر والثوري، وقال في رواية فضيل بن سليمان (فلم يردها) وفي بعض الروايات (فلم يجبها شيئًا) ووقع في رواية سفيان عند البخاري (إنها أعادت الطلب ثلاثًا) ووقع في رواية حماد بن زيد أنها وهبت نفسها لله ولرسوله فقال: "ما لي حاجة في النساء" قال الحافظ: ويجمع بينها وبين ما تقدم بأنه قال ذلك في اخر الحال فكأنه صمت أولًا لتفهم أنه لم يردها فلما أعادت الطلب أفصح لها بالواقع (فلما رأت المرأة) وعرفت (أنه) صلى الله عليه وسلم (لم يقض فيها شيئًا) من قبول أو رد صريح (جلست) فيؤخذ منه وفور أدب المرأة مع شدة رغبتها لأنها لم تبالغ في الإلحاح في الطلب وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس من الرد جلست تنتظر الفرج، وسكوته صلى الله عليه وسلم إما حياةً من مواجهتها بالرد وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء جدًّا كما ورد في صفته إنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، وإما انتظارًا للوحي، وإما تفكرًا في جواب يناسب المقام (فقام رجل من أصحابه) الجالسين عنده، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وكان من الأنصار كما في رواية الطبراني (فقال يا رسول الله أن لم يكن لك بها حاجة) ولا