فأذن له أن يأخذ جارية من السبي فأخذ صفية فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم. فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء، وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ولعله عوّضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك، وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم (صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي) اهـ فتح الملهم (فاشتراها) أي فاشترى تلك الجارية (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من دحية (بسبعة أرؤس) أي بسبعة أنفس من الجواري أي أعطى دحية بدل تلك الجارية سبعة أنفس وأخذها منه نظرًا لتلك المصلحة العامة التي ذكرناها آنفًا (ثم دفعها) أي سلم تلك الجارية (إلى أم سليم) أم أنس سهلة بنت ملحان (تصنعها) بتشديد النون من التصنيع أي لتزيّنها وتجملها (له) صلى الله عليه وسلم (وتهيئها) أي تجهزها وتزفِّفُها له، وهو عطف تفسير على ما قبله، وعبّر عن هذا في الرواية السابقة بالتجهيز (قال) ثابت: (وأحسبه) أي وأظن أنسًا (قال وتعتد) تلك الجارية (في بيتها) أي في بيت أم سليم، وهو عطف نسق أيضًا، زاده ثابت بظن من عنده زيادة ذلك في قول أنس رضي الله عنه وأراد بالاعتداد الاستبراء لأنها مسبية، وضمير بيتها لأم سليم، والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب وإلا فتصنيع الجارية يكون بعد استبرائها ولم يذكر في الطريق المتقدم أنَّه استبرأها، وفي رواية أخرى حتَّى إذا بلغنا سد الروحاء حلّت فبنى بها، قال الحافظ: المراد بقوله: حلّت أي طَهُرت من حيضها، وقد روى البيهقي بإسناد لين أنَّه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة، وأما ما رواه مسلم من طريق ثابت عن أنس أنَّه صلى الله عليه وسلم ترك صفية عند أم سليم حتَّى انقضت عدَّتها فقد شك حماد راويه عن ثابت في رفعه، وفي ظاهره نظر لأنه صلى الله عليه وسلم دخل بها منصرفه من خيبر بعد قتل زوجها بيسير فلم يمض