للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إلَّا سَتَكُونُ"

ــ

عزلكم فإنه إن كان الله قدر خلقها سبقكم الماء إلى الرحم فلا ينفع حرصكم أي عزلكم في منع الخلق اهـ نووي، وفيه دلالة على أن العزل لا يمنع الإيلاد فلو استفرش أمة وعزل عنها فاتت بولد لحقه إلا أن يدعي عدم الاستبراء اهـ ملا علي، وعلى هذا المعنى فلا نافية أي لا جناح في ترك العزل ولا في فعله فكلاهما سواء، وهذا التأويل أولى بدليل قوله: (ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة (لا ستكون) وقوله: "لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر" وقوله: "إذا أراد الله خلق الشيء لم يمنعه شيء" وهذه الألفاظ كلها مصرحة بأن العزل لا يرد القدر ولا يضره فكأنه قال: لا بأس يالعزل، وبهذا تمسك من رأى إباحة العزل مطلقًا عن الزوجة والسرية وبه قال كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء، وقيل (لا) هنا ناهية فيكون المعنى النهي والزجر عن العزل فكأنه قال: لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا تأكيدًا لذلك النهي وبهذا تمسك من رأى كراهة العزل من الصحابة وغيرهم كما حُكي عن الحسن ومحمد بن المثنى متمسكين بقوله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي" رواه أحمد ومسلم وابن ماجه، والحاصل أن في العزل قولين الإباحة مطلقًا أي في الحرة وفي الأمة، والحرمة أو الكراهة مطلقًا، والثالث التفصيل وهو الحرمة في الحرة، والإباحة في الأمة وهو ما ذهب إليه مالك والشافعي من أن العزل عن الحرة لا يجوز إلا بإذنها وكأنهم رأوا أن الإنزال من تمام لذتها ومن حقها في الولد، ولم يريا ذلك في الموطوءة بالملك فله أن يعزل عنها بغير إذنها إذ لا حق لها في شيء مما ذكر. (قلت): ويمكن على هذا المذهب الثالث أن يُجمع بين الأحاديث المتعارضة في ذلك فتصير الأحاديث التي يفهم منها المنع إلى الزوجة الحرة إذا لم تأذن والتي يُفهم منها الإباحة إلى الأمة والزوجة إذا أذنت فيصح الجميع ويرتفع التعارض والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله: (ما كتب الله خلق نسمة) أي في الأزل، والنسمة بفتحات هي النفس أي ما من نفس (هي كائنة) تقديرًا (إلى يوم القيامة) أي قدر الله كونها (إلا) وهي (ستكون) أي وجودًا سواء عزلتهم أو لا؟ أي ما قدر الله وكتب وجوده إلى يوم القيامة لا يمنعه العزل اهـ فتح الملهم بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ٦٨]، والبخاري [٢٥٤٢]، وأبو داود [٢١٧٢].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>