قال الأبي: ومثله اتفق لأصحاب مالك كانوا لا يكثرون من سؤاله هيبة له، فكانوا يتمنون أن يقدم الغريب فيسأله اهـ.
والمراد بالبدوي هنا من لم يبلغه النهي عن السؤال وإن كان حضريًّا وقوله (فيسأله) بالنصب معطوف على يجيء، وجملة (ونحن نسمع) حال من ضمير المفعول في يسأله والرابط محذوف والتقدير أي فيسأل ذلك الرجل البدوي النبي صلى الله عليه وسلم والحال أنا نسمعه صلى الله عليه وسلم أي نسمع جوابه فنستفيد منه (فجاء رجل من أهل البادية) وسكانها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: هذا الرجل هو ضمام بكسر الضاد المعجمة بن ثعلبة البكري أخو بني سعد بن بكر قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع قاله أبو عبيدة، وقيل سنة سبع وقال محمد بن حبيب سنة خمس وهو أبعدها لأن فرض الحج لم يكن نزل إذ ذاك وأولى ما يقال إن ضمامًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع كما قاله أبو عبيدة وغيره من أهل التواريخ ولأنها كانت سنة الوفود، وذلك أن الله تعالى لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهزم جمع هوازن وأسلمت قريش كلها دوخ الله العرب ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك سنة ثمان من الهجرة فدخل الناس في دين الله أفواجًا وقدم رؤساء العرب وفودًا على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع فسميت سنة الوفود لذلك.
(فقال) الرجل (يا محمد) قال القاضي عياض: لعل هذا كان قبل النهي عن ندائه صلى الله عليه وسلم باسمه في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} بل نادوه بأفخم الأسماء وأحبها إليه صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يا نبي الله، ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية ولم تبلغ الآية هذا القائل وجاء في هذا الحديث أنه ناداه يا رسول الله فلعله بعد أن تعلم ما يجب من تعظيمه صلى الله عليه وسلم ومعرفة حق الرسالة والأول كان في أول ما قدم اهـ، أي فقال: يا محمد (أتانا) أي جاء إلينا (رسولك) أي سفيرك الذي أرسلت إلينا للدعوة إلى الإسلام (فزعم) أي قال رسولك المذكور (لنا) وأخبرنا (أنك) يا محمد (تزعم) وتقول للناس (أن الله) سبحانه وتعالى