محمد (أما لك) يا أم سلمة (في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة) أي قدوة حسنة، والأسوة بضم الهمزة وكسرها بمعنى القدوة بتثليث القاف، ثم (قالت) عائشة: (إن امرأة أبي حذيفة) سهلة بنت سهيل (قالت: يا رسول الله إن سالمًا) ابن عبيد كان (يدخل عليّ وهو) أي والحال أن سالمًا (رجل) أي ذكر بالغ (وفي نفس أبي حذيفة منه) أي من دخوله عليّ (شيء) من الكراهية (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى) يصير لك ابن الرضاع فـ (يدخل عليك) واستدلت بهذا الحديث عائشة رضي الله عنها كما هو المعروف عنها على أن الإرضاع محرّم ولو كان الرجل رضع من امرأة في كبره وهو مذهب ابن حزم فإنه قال في المحلى: (رضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ كما يحرم رضاع الصغير ولا فرق بينهما) ونسبه النووي وغيره إلى داود الظاهري، ولكن رده الحافظ في الفتح وروى عبد الرزاق هذا المذهب عن عطاء ونقله الطبري عن حفصة وعبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة وحكاه ابن عبد البر عن الليث بن سعد كما في فتح الباري [٩/ ١٢٨]. قال القرطبي: وهذا مذهب عائشة ومن وافقها رضي الله عنها، وأما مذهب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خلا عائشة أن ذلك خاص بسالم وأن ذلك لا يتعداه لما اقترن بذلك من القرائن التي ذكرناها ولما يعارضه مما يأتي ذكره، وإلى مذهبهن في ذلك صار جمهور السلف والخلف من الفقهاء وغيرهم وحملوا الحديث على الخصوص ورأوا أن رضاعة الكبير للأجنبية لا تجوز وإن وقعت لم يلزم بها حكم لا في النكاح ولا في الحجاب ما خلا داود فإنه قال: يرفع تحريم الحجاب لا غير تمسكًا بحديث سالم، وقد استدل للجمهور على الخصوصية بأن ذلك مخالف للقواعد منها قاعدة الرضاع فإن الله تعالى قد قال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعًا فما زاد عليه بمدة مؤثرة غير محتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعًا لأنه نادر والنادر لا يُحكم له بحكم المعتاد، ومنها قاعدة تحريم الاطلاع على العورة فإنه لا يُختلف في أن ثدي