احتجبي منه احتياطًا لأنه ليس بأخيك شبهًا وإن كان أخاك شرعًا (قالت) عائشة بالسند السابق: (فلم ير) ذلك الولد (سودة) بنت زمعة (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي وهي هنا بمعنى أبدًا (ولم يذكر محمد بن رمح) في روايته (قوله) صلى الله عليه وسلم (يا عبد) أي لم يذكر لفظة يا عبد بل قال في روايته (هو لك الولد للفراش) قال النووي: أمرها بالاحتجاب عنه ندبًا واحتياطًا لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها لكنه لما رأى الشبه البين بعتبة بن أبي وقاص خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيًّا منها فأمرها بالاحتجاب منه احتياطًا، قال ابن القيم: وأمره صلى الله عليه وسلم سودة وهي أخته بالاحتجاب يدل على أصل وهو تبعيض أحكام النسب فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها لمعارضة الشبه للفراش فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره ومن نبا فهمه عن هذا وغلظ عنه طبعه فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور وليست بنته في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية، وبالجملة فهذا من أسرار الفقه ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام وترتيب مقتضى كل وصف عليه ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها اهـ من شرحه على أبي داود.
وحاصل قصة اختصامهما أن العرب كانت لهم في الجاهلية إماء يكتسبن لساداتهن بالفجور وكانت السادة تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدعيه سيدها وربما يدعيه الزاني فإن مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره فادعاه ورثته لحق به غير أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه قبل القسمة، وإن كان السيد أنكره لم يلحق به، وكان زمعة بن قيس والد أم المؤمنين سودة رضي الله عنها وكانت له أمة على ما وُصف وكان يطؤها وكان يأتيها عتبة بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص أيضًا فظهر بها حبل كان يظن أنه من عتبة بن أبي وقاص وهلك عتبة كافرًا فعهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل موته أن يستلحق منه الحمل الذي بأمة زمعة فلما ذهب