قال النووي: هذه جمل تدل على أنواع من العلم، قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال الرجل وملاحة سياقه وترتيبه فإنه سأل أولًا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به أن يَصْدقه في كونه رسولًا للصانع ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين وذكاء متين ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر لا لافتقاره إليها، كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة هذا كلام صاحب التحرير، قال القاضي عياض: والظاهر أن هذا الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه وإنما جاء مستثبتًا ومشافهًا للنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم انتهى.
وفي هذا الحديث أيضًا فوائد من العلم منها أن الصلوات الخمس متكررة في كل يوم وليلة وهو معنى قوله في يومنا وليلتنا وأن صوم شهر رمضان يجب في كل سنة، قال ابن الصلاح وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزمًا من غير شك وتزلزل خلافًا لمن أنكر ذلك من المعتزلة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قرر ضمامًا على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية اهـ وفي هذا الحديث العمل بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله أعلم.
وفي هذا الحديث بسط الكلام بين يدي الحاجة لقوله: إني سائلك ومشدد عليك، وفيه الصبر على سؤال الجاهل ولزوم تعليمه ما يحتاج إليه في دينه وفيه جواز الاعتذار لقوله: فلا تجدن عليّ، قال الأبي (قلت) الألفاظ التي أخذت منها هذه الأشياء لم تقع في مسلم وإنما هي في البخاري وقد أخرج البخاري هذا الحديث من طريق أنس وقال فيه عن أنس رضي الله عنه بينما نحن جلوس في المسجد دخل علينا رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال أيكم محمد بن عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال الرجل: أبْنَ عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"قد أجبتك" فقال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك فقال: "فسل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم وذكر نحو حديث مسلم.
وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث بأكمل من هذا وقال فيه ما يدل