صلى الله عليه وسلم حداثتي) والمراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرها باستشارة أبويها خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الشق الآخر، وفيه منقبة عظيمة لعائشة رضي الله تعالى عنها من وجوه: الأول أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها قبل سائر الأزواج وما ذلك إلا لفضيلتها عنده صلى الله عليه وسلم. والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب فراقها حتى عند التخيير ولذلك أمرها باستشارة أبويها حبًّا لها ونصحًا لأمرها. والثالث أنها لم تتوقف في اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على كمال عقلها وجودة رأيها مع حداثة سنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
(قالت) عائشة: (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عزَّ وجلَّ قال) لي في تخييركن ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}) أي السعة في الدنيا وزهرتها ({فَتَعَالينَ}) أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن ({أُمَتِّعْكُنَّ}) أي أعطكن متعة الطلاق ({وَأُسَرِّحْكُنَّ}) أي أطلقكن ({سَرَاحًا جَمِيلًا}) لا ضرر فيه {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وهذا أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل فاخترن رضا الله ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة.
والحاصل أن سبب نزول هذه الآية مطالبتهن إياه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا ما ليس عنده، ففي تفسير البيضاوي رُوي أنهن سألنه صلى الله عليه وسلم ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة فخيرها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فنزل {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي تقدم ذكرهن في باب القسم بين الزوجات، وجاء في بعض الروايات أنه خير نساءه فاخترنه جميعًا غير العامرية فاختارت قومها فكانت بعد