رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهجرانه لهن إنما كان مبالغة في تأديبهن فإنهن كن كثرن عليه وتبسطن عليه تبسطًا أي تسلطن عليه تسلطًا تعدين فيه ما يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من احترامه وإعظامه، وكان ذلك منهن بسبب حسن معاشرته ولين خلقه، وربما امتدت أعين بعضهن إلى شيء من متاع الدنيا كما مر آنفًا، ولذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يخترهن بين إرادة الدنيا وارادة الله تعالى وما عنده فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولم يكن فيهن من توقف في شيء من ذلك ولا تردد فيه لأنهن مختارات لمختار وطيبات لطيب سلام الله تعالى عليهن جمع كتع بتع بصع اهـ من المفهم.
(ثم اعتزلهن) رسول الله صلى الله عليه وسلم تأديبًا لهن أي انفرد عنهن في عليته (شهرًا) كاملًا (أو تسعًا وعشرين) ظاهره شك من الراوي، وسيأتي حديث ابن عباس أنه إنما اعتزلهن تسعًا وعشرين وهو الصحيح اهـ من المفهم (ثم نزلت عليه) صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) الكريمة يعني قوله: (يا أبها النبي قل لأزواجك، حتى بلغ) أي إلى أنْ بلغ نزولها قوله: (للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا، قال) جابر: (فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخيير بعد نزول الآية (بعائشة) الصدّيقة رضي الله تعالى عنها (فقال) لها: (يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا) هو التخيير فـ (أحب أن لا تعجلي فيه) أي في ذلك الأمر (حتى تستشيري) وتستأمري (أبويك قالت) عائشة: (وما هو) أي وما ذلك الأمر الذي تعرضه عليّ (يا رسول الله فتلا) أي فقرأ (عليها الآية) المذكورة آنفا (قالت) عائشة: (أفيك) أي أفي اختيارك واختيار الله والدار الآخرة (يا رسول الله أستشير) وأستأمر (أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة و) لكن (أسألك أن لا تخبر) يا رسول الله (امرأة) واحدة (من نسائك) وأزواجك (بـ) الأمر (الذي قلت) من اختيارك