واختيار الله والدار الآخرة، كأنها أرادت أن تختار بعض نسائه الفراق، قال القرطبي: هو قول أخرجته غيرتها وحرصها على انفرادها بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان عائشة رضي الله تعالى عنها توقعت أنه إذا لم يُخبر أحدًا من زوجاته يكون فيهن من يختار الدنيا فيفارقها النبي صلى الله عليه وسلم وأنهن إذا سمعن باختيارها هي له صلى الله عليه وسلم اقتدين بها فيخترنه وكذلك فعلن اهـ من المفهم، قال الحافظ: فيه أن الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها ولكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن الحامل لها على ذلك ما طُبع عليه النساء من الغيرة ومحبة الاستبداد دون ضرائرها لم يسعفها بما طلبت من ذلك كذا قال في الفتح في تفسير سورة الأحزاب. قال القرطبي: ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم أنه إن سألته واحدة منهن عن فعل عائشة فلم يخبرها كان ذلك نوعًا من العنت وادخال الضرر عليهن بسبب إخفاء ما يُسأل عنها فـ (قال) مجيبًا لها (لا تسألني امرأة منهن) عما قلت (إلا أخبرتها) به لي (أن الله) سبحانه (لم يبعثني) إلى الخلق، حالة كوني (معنتًا) بضم الميم وفتح العين وتشديد النون المكسورة؛ أي مشددًا على الناس أُمورهم وملزمًا إياهم ما يصعب عليهم (ولا) حالة كوني (متعنتًا) بضم الميم وفتح التاء الفوقية والعين المهملة وتشديد النون المكسورة؛ أي طالبًا زلاتهم وباحثًا عن هفواتهم (ولكن بعثني معلمًا) لهم أحكام دينهم (ميسرًا) عليهم أمورهم في دينهم ودنياهم، والمعنت هو الذي يوقع العنت بغيره، والعنت المشقة، والمتعنت هو الذي يحمل غيره على العمل بها، ويحتمل أن يقال المعنت هو المجبول على ذلك، والمتعنت هو الذي يتعاطى ذلك وإن لم يكن في جبلته اهـ من المفهم، وفي رواية عند أحمد (معنفًا)، والمعاني متقاربة لأن المعنت من عنته إذا شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه، والمتعنت من التعنيت وهو الذي يطلب زلة غيره كما في القاموس، والمعنف مأخوذ من التعنيف؛ وهو التشديد والتوبيخ، والمراد أنني لا أريد أن أشق على نسائي أو أطلب زلاتهن فلا أمسك على إخبارهن باختيارك.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكن أخرجه النسائي في السنن الكبرى في عشرة النساء كما في تحفة الأشراف للمزي [٢/ ٢٩٧] وأخرجه أحمد أيضًا في مسند جابر ٣ [/ ٣٢٨ و ٣٤٢].