قوله:(ولا شخص أغير من الله) ولفظ البخاري في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق (لا شيء أغير من الله) قال ابن الملك في شرح حديث ابن مسعود: قوله: (أغير) بالرفع على أنه خبر لا، ويجوز أن يكون صفة أحد، والخبر محذوف اهـ تقديره موجود، ونحوه فيكون إعراب أغير النصب تبعًا لمحل اسم لا، وذكر ملا علي عن الطيبي أن لا هنا بمعنى ليس وقد ذكر الاسم والخبر جميعًا وكأن النحويين غفلوا عن هذا الحديث فيقرأ شخص مرفوعًا وأغير منصوبًا، وكذا الكلام في قوله:(ولا شخص أحب إليه العذر من الله) قال النووي: والشخص مستعار من أحد، والعذر بمعنى الإعذار اهـ أي إزالة العذر وقطعها وهو فاعل لأحب والمسألة كحيلة، قوله:(المدحة) بكسر الميم وهو المدح بفتحها كما مر، ومعنى قوله:(من أجل ذلك وعد الله الجنة) أي من سبب حبه للمدح وعد عليه الجنة ليمدحوه أي إنه لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه اهـ نووي. واعلم أن هذه المحبة في الحقيقة لمصلحة عباده لأنهم يثبتون عليه فيثيبهم فينتفعون به لا أن في مدحه نفعًا عائدًا إليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا اهـ مبارق.
قال القرطبي: قال بعض أهل المعاني: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا أحد أغير من الله ولا أحد أحب إليه العذر من الله) ليكون منبهًا لسعد ورادعًا له من الإقدام على قتل من وجده مع امرأته فكأنه قال إذا كان الله تعالى مع شدة غيرته يحب الإعذار ولم يؤاخذ أحدًا إلا بعد إنهاء الإعذار فكيف تقدم على قتل من وجدته على تلك الحال، وإنما ذكر المدح مقرونًا مع ذكر الغيرة والإعذار تنبيهًا لسعد على أن لا يعمل غيرته ولا يعجل بمقتضاها بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب من ذلك، وعلى كمال الثناء والمدح بالتأني والرفق والصبر وإيثار الحق وقمع النفس عند هيجانها وغلبتها عند منازلتها، وهذا نحو من قوله صلى الله عليه وسلم:(ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه أحمد والبخاري ومسلم والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٤/ ٢٤٨]، والبخاري [٧٤١٦].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: