بيانًا عامًّا ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا فكان ذلك إجماعًا وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية والصدقة، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه:"كلوا" ولم يأكل، وإن قيل: هدية ضرب بيده وأكل معهم، وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثمر فقال هذا شيء من الصدقة رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"كلوا" ولم يأكل هو، ثم أتاه ثاني بثمر فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة وهذا شيء أهديته لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بسم الله، وأكل. ولم يُنقل قبول ولا أمر بإيجاب وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية، وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول وليس إلا المعاطاة والتفرق عن تراض يدل على صحته ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي فإذا وُجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه كذا في المغني لابن قدامة أول البيوع [٣/ ٥٦٢] ثم إن التعاطي ليس من بيع الحصاة ولا من الملامسة أو المنابذة في شيء لأن هذه البيوع يفوتها النظر والتراضي ويجمعها الجهالة والغرر، ولا غرر ولا جهالة في التعاطي وإنما هو إيجاب وقبول بالفعل لا باللفظ.
(وعن بيع الغرر) تعميم بعد تخصيص ليعم الحكم لسائر أنواع الغرر، قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل لأنه غرر من غير حاجة ومعنى الغرر الخطر والغرور والخداع، وضبطه الفقهاء بأنه كل ما انطوت عنا عاقبته، واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في عموم النهي عن بيع الغرر ولكن أفردت بالذكر والنهي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة اهـ وقد فسره ابن الأثير في جامع الأصول بقوله: الغرر ماله ظاهر تؤثره وباطن تكرهه، فظاهره يغر المشتري وباطنه مجهول اهـ. وقال القرطبي: هو البيع المشتمل على غرر مقصود كبيع الأجنة وضربة الغائص والبعير الشارد وما أشبه