للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ

ــ

الأسعار إذا كان الذي جلبوه من فوائد البادية بغير شراء وإنما قيده مالك بهذه القيود نظرًا إلى المعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وذلك أن مقصوده أن يرتفق أهل الحاضرة بأهل البادية بحيث لا يضر ذلك أهل البادية ضررًا ظاهرًا وهذا لا يحصل إلا بمجموع تلك القيود اهـ من المفهم باختصار.

واختلف في شراء أهل الحاضرة للبادي فقيل بمنعه قياسًا على البيع لهم، وقيل: يجوز ذلك لأنه لما صار ثمن سلعته بيده عينًا أشبه أهل الحضر فإذا وقع هذا البيع فهل يفسخ معاقبة لهم أو لا يفسخ لعدم خلل ركن من أركان البيع قولان اهـ منه (ولا تصروا) بضم التاء وفتح الصاد وضم الراء المشددة بعدها واو الجمع (الإبل والغنم) بالنصب على المفعولية نظير {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] وهو من التصرية كالتزكية وهو الصحيح ضبطًا ومعنى وضبطه بعضهم (ولا تصروا) بفتح التاء وضم الصاد ونصب الإبل وبعضهم بضم التاء وفتح الصاد ورفع الإبل وعلى هذين الضبطين من الصر الذي هو الربط ولو كانت كذلك لقيل فيها مصررة وإنما جاء مصراة وما هنا من التصرية، يقال: صرى الإبل يصري تصرية كزكى يزكي تزكية، ويقال: صرّاها يصرِّيها تصرية فهي مصراة كغشاها يغشيها تغشية فهي مغشاة وزكاها يزكيها تزكية فهي مزكاة، ومعنى (التصرية) عند الفقهاء أن يجمع اللبن في الضرع يومين أو ثلاثة حتى يعظم فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن وعظم الضرع وهي المسماة أيضًا بـ (المحفَّلة) في حديث آخر رواه البخاري [٢١٤٩] يقال: ضرع حافل أي عظيم و (المحفل) الجمع العظيم، وقال الشافعي: التصرية أن يربط أخلاف الناقة أو الشاة ويترك حلبها يومين أو ثلاثة حتى يجتمع لبنها فيزيد المشتري في ثمنها لما يرى من ذلك، قال الخطابي: والذي قال الشافعي صحيح لأن العرب تصر الحلوبات وتسمى ذلك الرباط صرارًا، واستشهد لهم بقول العرب (العبد لا يحسن الكر، وإنما يحسن الحلب والصر) قاله عنترة لأبيه.

وأصل (لا تصروا الإبل) على القول الصحيح لا تصرِّيُوا استثقلت الضمة على الياء فنُقلت إلى ما قبلها لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضمومًا فانقلبت الياء واوًا واجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى وبقيت واو الجمع ساكنة فحذفت لالتقاء الساكنين، ومعنى الحديث لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة، ومنه قول العرب صريت الماء في

<<  <  ج: ص:  >  >>