(فقال) ابن عباس: (ألا تراهم) أي: ألا ترى الناس وتعلمهم أنهم (يتبايعون) الطعام (بالذهب) فإذا بيع ذلك الطعام بذهب آخر أي باعه المشتري لثالث بذهب، وقوله:(والطعام مرجأ) مبتدأ وخبر، والجملة حال من مفعول يتبايعون المحذوف كما قدرناه آنفًا أي فإذا بيع ذلك الطعام بذهب والحال أن قبضه من البائع الأول مؤخر عن البيع الثاني فكأنه بيع الذهب بالذهب مع عدم التقابض وهو لا يجوز لأنه في معنى الربا وهذا إشارة إلى علة النهي والمراد أن الطعام لما سقط لكونه مرجأ صار ذلك مبادلة الذهب بالذهب متفاضلًا أو مؤجلًا اهـ تكملة، وقوله:(مرجأ) بصيغة اسم المفعول إما من الإفعال فتسكن راؤه أو من التفعيل فتفتح راؤه مع تشديد الجيم المفتوحة يهمز ولا يهمز وعلى ترك همزه يرسم بالياء كالمعتل فيقال: مرجى ومعنى الإرجاء التأخير ومعنى مرجأ مؤخر.
قال الخطابي: وكل شيء أخرته فقد أرجيته يقال: أرجيت الشيء ورجيته أي أخرته وقد يتكلم به مهموزًا وغير مهموز اهـ.
والمعنى أنه إذا اشترى طعامًا بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام وتأخر في يد البائع ثم باع المشتري الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارًا مثلًا فكأنه اشترى بذهبه ذهبًا أكثر كذا في النيل، وقال في مرقاة الصعود معنى الحديث أن يشتري من إنسان طعامًا بدينار إلى أجل ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدينارين مثلًا فلا يجوز لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام غائب فكأنه باعه ديناره الذي اشترى به الطعام بدينارين فهو ربا ولأنه بيع غائب بناجز فلا يصح اهـ وحاصله أن البيع قبل القبض يتضمن بيع الذهب بالذهب متفاضلًا وذلك أن الرجل إذا اشترى طعامًا بمائة دينار مثلًا ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارًا وقبضها والطعام في يد البائع فكأنه باع مائة دينار بمائة وعشرين دينارًا لأنه أدى إلى البائع الأول مائة دينار ولم يأخذ الطعام في عوضه بل أخذ مائة وعشرين دينارًا من المشتري الثاني عوضًا عما أدى إلى البائع الأول وهذا التفسير لقول ابن عباس مأخوذ من كلام الحافظ في فتح الباري [٤/ ٢٩٢](ولم يقل أبو كريب) أي لم يذكر في روايته لفظة والطعام (مرجأ) أي مؤخر ولم يبين ماذا قال أبو كريب بدل مرجأ، قال المنذري: وأخرج هذه الرواية