قَال: لَمَّا افْتُتِحَتْ خَيبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا. عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ. فَقَال لهم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا" ,
ــ
مسهر كما هو مقتضى كلامه فيما سيأتي فتكون المتابعة ناقصة والأول أوفق لاصطلاحاته.
(قال) ابن عمر (لما افتتحت) وأُخذت (خيبر) من يد اليهود عنوة (سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم) أي أن يتركهم (فيها) أي في خيبر (على أن يعملوا) في أرضها وأشجارها (على نصف) أي على شرط أن يكون لهم نصف (ما خرج منها من الثمر والزرع) فأخرج أبو داود في المساقاة عن ابن عباس قال: (افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واشترط أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء، وقال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة ولنا نصف) وأخرج أبو داود في الخراج والفيء والإمارة عن بشير بن يسار (فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود فعاملهم) فدلت هذه الروايات على أن الأرض دُفعت إلى اليهود مساقاة لكون المسلمين لا يقدرون على زرعها بأنفسهم ولكون اليهود أعلم بتلك الأرض وما يُحتاج إليه في زرعها (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقركم) أيها اليهود أي نمكنكم من القرار والثبات (فيها) أي في خيبر (على ذلك) أي على شرط أن تعملوا في أشجارها وأراضيها بنصف ما يخرج منها (ما شئنا) أي مدة قراركم فيها فإذا شئنا إخراجكم منها نخرجكم، والمراد أننا نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا ثم نخرجكم متى قدر الله إخراجكم وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب، ثم قد استدل بعض أهل الظاهر بهذا الحديث على أن المساقاة جائزة إلى أجل مجهول، والجمهور ومنهم الأحناف على أنها لا تجوز إلا إلى مدة معلومة وأجابوا عن هذا الحديث بأن العقد بخيبر لم يكن مجهولًا أجله بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مدة، وحاصل قوله: أقركم فيها على ذلك ما شئنا أننا بالخيار بعد انقضاء هذه المدة فإن شئنا حددنا العقد لمدة أخرى وإن شئنا أخرجناكم عن الأرض فكان العقد يجدد كل سنة إلى أن أجلاهم عمر رضي الله عنه. هذا خلاصة ما ذكره النووي في آخر كلامه.