للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ". قَال: فَمَا لَبِثْنَا إلا يَسِيرًا حَتَّى قَال النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الله تَعَالى حَرَّمَ الْخَمْرَ. فَمَق أَدْرَكَتْهُ هذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبعْ". قَال: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا، في طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَفَكُوهَا

ــ

للمنع منها فتوقع ذلك اهـ (فمن كان عنده منها) أي من الخمر (شيء فليبعه ولينتفع به) أي بثمنه، وفي هذا بذل النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم لأنه صلى الله عليه وسلم نصحهم في تعجيل الانتفاع بالخمر ما دامت حلالًا، وفيه دليل على أن شرب الخمر وبيعها كانا مباحين إباحة متلقاة من الشرع لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قرر أصحابه عليها وليس ذلك من باب البقاء على البراءة الأصلية لأن إقراره دليل الجواز والإباحة كما قررناه في الأصول، وفيه دليل على اغتنام فرصة المصالح المالية إذا عرضت وعلى صيانة المال وعلى بذل النصيحة والإشارة بأرجح ما يعمله من الوجوه المصلحية.

(قال) أبو سعيد الخُدرِيّ (فما لبثنا) أي ما مكثنا بعد خطبته صلى الله عليه وسلم (إلا) زمنًا (يسيرًا حتَّى قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى حرم الخمر) أي شربها وسائر الانتفاع بها بقوله سبحانه في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} قيل في هذه الآية دلالة على حرمة الخمر بوجوه: الأول: قصرها على الرجس وهو في اللغة القذر يعني ما الخمر إلَّا نجس في الحكم فيكون محرمًا كحرمته. والثاني: الإخبار بأنها من عمل الشيطان والذات ليس بعمل فيقدر تناولها. والثالث: الأمر بالاجتناب عنها والأمر للوجوب وهذا أبلغ في بيان تحريمها. والرابع: رجاء الفلاح بالاجتناب عنها اهـ من المبارق.

(فمن أدركته هذه الآية) المذكورة آنفًا أي من بلغته هذه الآية وهو حي بصفات المكلفين من العقل والبلوغ (وعنده منها شيء) أي والحال أن شيئًا منها عنده قليلا أو كثيرًا (فلا يشربـ) ـه (ولا يبعـ) ـه (قال) أبو سعيد: (فاستقبل النَّاس) أي فانطلق كل واحد منهم (بما كان) ووُجد (عنده منها) أي من الخمر (في طريق المدينة) أي إلى طريقها وزقاقها (فسفكوها) أي أراقوها في زقاقهم، يقال: سفك يسفك من باب ضرب إذا أراق، وقد فهمت الصَّحَابَة رضوان الله تعالى عليهم من نهيه عن الشرب والبيع أنَّه لا ينتفع بها بوجه من الوجوه ولذلك بادروا إلى إراقتها وإتلافها ولو كان فيها منفعة من

<<  <  ج: ص:  >  >>