عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (أنه) أي أن سعيدًا (حدّثه) أي حدّث لابن شهاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري وواحد مروزي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله) أي لعن الله سبحانه وتعالى (اليهود حرم الله) سبحانه (عليهم الشحوم) أي شحوم الميتة فأذابوها (فباعوها وأكلوا أثمانها) بالحيلة المذكورة من إذابة الشحم، واستدل به من حرّم استعمال الحيل مطلقًا، والحق كما قال الألوسي في روح البيان [٢٣/ ٢٠٩] تحت قوله تعالى: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} أن الحيلة كما أوجبت إبطال حكمة شرعية لا تقبل كحيلة سقوط الزكاة وسقوط الاستبراء وأما إذا توصل بها الرجل إلى ما يجوز فعله ودفع المكروه بها عن نفسه وعن غيره فلا باس بها، وقال السرخسي رحمه الله في كتاب الحيل من المبسوط [٣٠/ ٢١٠] فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق الرجل حتى يبطله أو في باطل حتى يموهه أو في حق حتى يدخل فيه شبهة فما كان على هذا السبيل فهو مكروه وما كان على السبيل الذي قلنا أولًا فلا بأس به، واستدل على جواز الحيلة المشروعة بقوله تعالى:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} فإن ذلك تعليم حيلة، وبقوله تعالى:{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} فإنه حيلة وجاء السرخسي رحمه الله تعالى بعدة أحاديث وآثار تدل على جوازها.
وقال صاحب التكملة: ومن أقوى ما يدل على جواز الحيلة المشروعة ما أخرجه الشيخان والنسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملى رجلًا على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال: أكل تمر خيبر هكذا، قال: إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، قال: لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا، وسيأتي الحديث عند المصنف في باب بيع الطعام مثلًا بمثل وإنما هو تعليم حيلة للتوصل إلى طريق حلال فما كان من هذا القبيل فهو جائز قطعًا وأما حيلة اليهود في تحليل السبت وبيع الشحوم وأكل ثمنها فكانت من قبيل إبطال الحكمة الشرعية فإن الشريعة قصدت منعهم عن الصيد يوم السبت وعن أكل الشحوم وبيعها ففعلوا ما حصل منه ذلك بعينه وإنما غيّروا الطريق أو التعبير وقدمنا أن مجرد تغيير الاسم لا يؤثر في حل