من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله، وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك، وأما المشتبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها كما تولد بين شاة وكلب وما رُكب من حرير وغيره وكتزوجه بنته من الزنا، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإن تردد بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا ألحقه بالحلال صار حلالًا وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلًا في قوله صلى الله عليه وسلم:"فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبه فهل يؤخذ بحله أم بحرمته أم يتوقف؟ فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره والظاهر أنها مخرجة على الخلاف المذكور في الأشياء قبل ورود الشرع، وفيه أربعة مذاهب: الأصح أنه لا يحكم عليها بحل ولا حرمة ولا غيرهما لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع، والثاني: أن حكمها التحريم، والثالث: الإباحة، والرابع: التوقف والله أعلم اهـ نووي.
وقوله:(وبينهما أمور مشتبهات) كذا في النسخ الموجودة عندنا ولكن ذكر العسقلاني والعيني أن مسلمًا إنما رواه بلفظ مشبهات بصيغة اسم مفعول من شبه المضعف، وذكر العيني أن الحديث ورد بخمس روايات: الأولى: مشتَبِهات على صيغة اسم الفاعل من افتعل الخماسي يعني المشكلات من الأمور لما فيها من شبه الطرفين المتخالفين فيشتبه بهذا مرة وبهذا مرة أخرى، والثانية متشَبِّهات بوزن متفعلات على صيغة اسم الفاعل من تفعل الخماسي كما في رواية الطبري وفي المغني هي كالأولى إلا أن فيها معنى التكلف، والثالثة: مشبَّهات على صيغة اسم المفعول من شبه الرباعي المضعف وهي رواية السمرقندي ورواية مسلم والمعنى أنها مشبَّهات بغيرها ما لم يتيقن فيه حكمها على التعيين ويقال معناه مشبهات بالحلال، والرابعة: مشبَّهات على صيغة اسم الفاعل من شبه المضعف ومعناها أنها تشبه أنفسها بالحلال، والخامسة: مُشْبِهات على صيغة اسم الفاعل من أشبه الرباعي ومعناها مثل التي قبلها اهـ عيني [١/ ٣٤٥].
(فمن اتقى) أي تورع وتحرز (الشبهات) وابتعد عنها وتركها بضم الشين والباء