أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم، وإن في جنس الجسد والجسم (مضغة) أي قطعة لحم قدر ما يمضغه الماضع والمضغة في اللغة قطعة لحم قدر ما يُمضغ عند الأكل وعبّر بها هنا عن القلب فإنه صغير جرمه في الرؤية وكبير قدره لأن صلاح سائر البدن وفساده تابع له (إذا صلحت) بفتح اللام من باب نصر أي إذا انشرحت واتسعت تلك المضغة بالهداية (صلح الجسد كله) أي استعملت الجوارح في الخيرات لأنها متبوعة للجسد وهي وإن كانت صغيرة صورة لكنها كبيرة رتبة لكونها الأميرة للجسد (وإذا فسدت) تلك المضغة أي انشرحت بالضلالة وهو من باب نصر أيضًا (فسد الجسد كله) باستعمال آلاته في المنكرات (ألا وهي) أي وتلك المضغة التي كانت أميرة الجسد (القلب) سميت بالقلب لأنها محل الخواطر المختلفة الحاملة على الانقلابات اهـ من المبارق.
وعبارة النووي هنا قوله:(ألا وإن لكل ملك حمى) إلخ معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم دخوله فمن دخله أوقع به العقوبة ومن احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى خوفًا من الوقوع فيه، ولله تعالى أيضًا حِمَى وهي محارمه أي المعاصي التي حرمها الله تعالى كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك فكل هذا حمى الله تعالى من دخله بارتكابه شيئًا من المعاصي استحق العقوبة ومن قاربه يوشك أن يقع فيه فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية فلا يدخل في شيء من الشبهات (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) قال أهل اللغة: يقال صلح الشيء وفسد بفتح اللام والسين وضمهما والفتح أفصح وأشهر والمعنى إذا صارت تلك المضغة ذات صلاح أو ذات فساد وقد يقال: صلح وفسد بضم العين فيهما إذا صار الصلاح أو الفساد هيئة لازمة لها كما يقال ظرف وشرف، والمضغة: القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب اهـ منه، قوله:(ألا وهي القلب) هذا اللفظ في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه من باب ضرب إذا رددنه على بدأته وقلبت الإناء إذا رددته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه إذا صرفته عنه وعن طريقه كذلك ثم نُقل هذا اللفظ فسُمي به هذا العضو الذي هو أشرف أعضاء الحيوان لسرعة الخواطر فيه