كَالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى. يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلا وإن لِكُل مَلِكٍ حِمَى. أَلا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ. أَلا وإن في الْجَسَدِ
ــ
فيمكن أن يكون ذلك الفعل حرامًا في نفس الأمر فحينئذٍ صار الوقوع في الشبهة وقوعًا في الحرام والله تعالى أعلم اهـ من التكملة.
حالة كون ذلك الواقع في الشبهات (كالراعي) الذي (يرعى) المواشي (حول الحمى) أي حول المرعى الذي حماه الملك ومنعه من الناس حالة كون ذلك الراعي (يوشك) ويقرب (أن يرتع) ويرعى مواشيه (فيه) أي في ذلك الحمى الذي حماه الإِمام فتصيبه العقوبة منه، والحمى بكسر الحاء وبالقصر كل موضع حظره السلطان لنفسه ومنع الغير من الدخول فيه وأكثر ما يستعمل في مراعي المواشي.
وقوله:(يوشك) بضم الياء وكسر الشين مضارع أوشك الرباعي بفتحها وهو من أفعال المقاربة ومعناه هنا يقع في الحرام بسرعة و (يرتع) بفتح التاء مضارع رتع بفتحها أيضًا وفُتحت في المضارع لوجود حرف الحلق لأنه من داعي الفتح بشرطه المذكور في كتب الصرف كما بسطنا الكلام عليه في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال؛ ومعناه أكل الماشية من المرعى وأصله إقامتها فيه وتبسطها في الأكل منه، ومنه قوله تعالى:{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}[يوسف: ١٢] وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمحارم الله تعالى وأصله أن ملوك العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها الخاصة بها وتُحرِّج بالتوعد بالعقوبة على من قربها فالخائف من عقوبة السلطان يبعد بماشيته من ذلك الحمى لأنه إن قرب منه فالغالب الوقوع وإن أكثر الحذر إذ قد تنفرد الفاذة وتشذ الشاذة ولا تنضبط فالحذر أن يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة بحيث يأمن فيها من وقوع الفاذة والشاذة فيه وهكذا محارم الله تعالى لا ينبغي أن يحوم حولها مخافة الوقوع فيها على الطريقتين المتقدمتين.
(ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإن لكل ملك) من ملوك الدنيا أي لجنسهم (حمى) أي مرعى حماه ومنعه من الناس لرعي مواشيه وإلا فليس لكل ملك حمى بل لبعضهم (ألا وإن حمى الله) الذي حمى عباده منه (محارمه) أي محرماته أي ما حرمه على عباده من المنهيات والمعاصي، ولما كان التورع يميل القلب إلى الصلاح وعدمه يميله إلى الفجور، نبه النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله:(ألا وإن في الجسد)