(فاشتراه) أي فاشترى النبي صلى الله عليه وسلم العبد المبايع من سيده (بعبدين أسودين) قال القاضي عياض: هذا من كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم فإنه كره أن يرد ما عقد له من الهجرة، ويدل على أن سيده مسلم وإلا فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم من نزل من عبيد أهل الطائف وغيرهم ولم يردهم إلى ساداتهم اهـ.
وعبارة القرطبي هنا إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشراء منه جريًا على مقتضى مكارم أخلاقه ورغبة في تحصيل ثواب العتق وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة فحصل له العتق وثبت له الولاء، فهذا المعتق مولى للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنه لا يعرف اسمه، وفيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا نقدًا، وهذا ما اتفق عليه الفقهاء ولكنهم اختلفوا في النسيئة في بيع الحيوان فقال الشافعي: هو جائز، وقال أبو حنيفة: هو ممنوع، استدل الشافعي بما أخرجه أبو داود وغيره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فجعل يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، واستدل أبو حنيفة بما أخرجه أصحاب السنن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وقال الحنفية: إنه ناسخ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وفي الحديثين كلام ليس هذا موضع بسطه من شاء فليراجع إعلاء السنن [١٤/ ٢٨٠ و ٢٨٧] فإنه قد أتى في هذه المسألة بما لا مزيد عليه.
(ثم) بعد ذلك العبد (لم يبايع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحدًا) من الناس، وقوله:(بعد) أي بعد ذلك اليوم تأكيد لمعنى ثم (حتى يسأله) أي حتى يسأل من يريد بيعته (أعبد هو) أم لا؟ يعني أنه لما وقعت له هذه الواقعة أخذ بالحزم والحذر فكان يسأل من يرتاب فيه، وفيه من الفقه الأخذ بالأحوط.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ٣٤٩]، وأبو داود [٣٣٥٨]، والترمذي [١٢٣٩]، والنسائي [٧/ ١٥٠].
ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة أعني الرهن بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: