(وأنهاكم) أي أحذركم وأمنعكم (عن) الانتباذ في (أربع) من الأواني المذكورة وإنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأربع الأواني بالذكر لأنها أغلب أوانيهم ويلحق بها في النهي ما كان في معناها كأواني الزجاج والحديد والنحاس وغير ذلك مما يعجل الإسكار بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب قولهم (فبم نشرب يا رسول الله؟ ) فقال: "في أسقية الأدم" ولأن ما عدا تلك الأربع في معناها فيلحق بها على طريقة نفي الفارق اهـ قرطبي.
وقوله (عن الدُّباء) أي عن الانتباذ في إناء القرع اليابس. . . إلخ بدل من أربع بدل تفصيل من مُجمل (و) عن الانتباذ في إناء (الحنتم) والجرار المعمولة من الطين المطلية بالزجاج لأنها تعجل إسكار النبيذ كالدباء (و) عن الانتباذ في الإناء (المزفت) أي المطلي بالزفت من أي نوع كان من رصاص أو نحاس أو خشب أو حديد (و) عن الانتباذ في جذع النخل (النقير) أي المنقور وسطه وأخرج ما فيه وجُعل إناء.
(قالوا) أي قال وفد عبد القيس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا نبي الله ما عِلمك) أي ليس علمك (بالنقير) موجودًا فكيف تنهانا عن الانتباذ فيه، فإنَّه ليس من أواني الحجاز، فإنَّه من أواني بلادنا، قال الأبي: قوله (ما علمك بالنقير) هو استبعادٌ لمعرفته إياه إذ لم يكن بأرضه - صلى الله عليه وسلم - انتهى.
فـ (ما) حجازية وعلمك اسمها وبالنقير متعلق بعلمك وخبر ما محذوف كما قدرنا آنفًا فالجملة الاسمية منفية فلذلك أجابه ببلى، أي أنت لا تعلم بالنقير فكيف تنهانا عنه (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - نفيًا لنفيهم علمه بالنقير (بلى) أي ليس الأمر كما زعمتم بل علمي به موجود، أي بلى أعلمه هو (جذع) نخل وأصله (تنقرونه) أي تقورون وسطه وتخرجون ما فيه من الجمار اليابس وتجعلونه إناء (فتقذفون) وترمون (فيه من القطيعاء) أي من التمور الصغار الحبوب وتخلطون تلك القطيعاء بالماء وتمزجونها به فيحلو وتشربونه بعد غليانه فتسكرون منه، قوله (جذع) والجذع أصل النخلة وساقها، ويجمع على جذوع وقوله (تنقرونه) من نقر من باب نصر يقال نقر الشيء إذا ثقبه وقور ما فيه وأخرجه فصار مجوفًا خالي الجوف قوله (فتديفون) قال القاضي عياض: رويناه بالدال والذال وبفتح التاء فيهما كتبيعون، وقال بعضهم الصواب بكسر الذال المعجمة تذِيفون