قوله:(من يهودي) استُشكل هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكن له أن يشتري الطعام من مسلم فلماذا رجع إلى يهودي؟ وأجاب عنه النووي رحمه الله تعالى بأنه فعل ذلك بيانًا للجواز أو لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده أو لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى الله عليه وسلم ولا يقبضون منه الثمن فعدل إلى معاملة اليهودي لئلا يضيق على أحد من أصحابه اهـ وقيل: تفصيل هذه القصة يغني عن هذه الأجوبة كلها وهو ما أخرجه البزار عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفًا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلني أبتغي له طعامًا فأتيت رجلًا من اليهود فقلت: يقول لك محمد صلى الله عليه وسلم إنه نزل لنا ضيف وإنه لم يلق عندنا بعض الذي يصلحه فبعني أو أسلفني إلى هلال رجب، فقال اليهودي: لا والله لا أسلفه ولا أبيعه إلا برهن. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: إني والله لأمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي فنزلت هذه الآية تعزيه على الدنيا {وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الآية كذا في كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي في باب القرض والبيع إلى أجل وفي إسناده موسى بن عبيدة ضعفه أحمد وغيره، ووثقه وكيع كما في التهذيب.
قوله:(فأعطاه درعًا له) والدرع بالكسر يذكر ويؤنث، وفيه جواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة ويقاس عليه بيعه منهم إذا كان الذمي مأمونًا فأما أهل الحرب فلا يجوز أن يباع السلاح لهم ولا أن يرهن عندهم اهـ نووي وفتح الباري.
قال القرطبي: فيه دليل على جواز معاملة أهل الذمة مع العلم بأنهم يبيعون الخمر ويأكلون الربا لأنا قد أقررناهم على ما بأيديهم من ذلك وكذلك لو أسلموا لطاب لهم ذلك وليس كذلك المسلم الذي يعمل بشيء من ذلك لا يقر على ذلك ولا يترك بيده ولا يجوز أن يُعامل من كان كسبه من ذلك وإذا تاب تصدق ما بيده منه، وأما أهل الحرب فيجوز أن يُعاملوا ويشترى منهم كل ما يجوز لنا شراؤه وتملكه ويباع منهم كل شيء من العروض والحيوان ما لم يكن ذلك مضرا بالمسلمين مما يحتاجون إليه وما خلا آلة الحرب وعدّته وما يخاف أن يتقووا به على المسلمين فلا يُباع منهم شيء منه، ولا يُباع منهم ولا من أهل الذمة مسلم ولا مصحف، وقال ابن حبيب: لا يُباع من أهل الحرب