المثناة فوق وكلاهما صحيح فمعنى الأول يُلفُّ الخيط على أفواهها ويُربط به، ومعنى الثاني تُلف الأسقية على أفواهها كما يقال ضربته على رأسه انتهى، وهو مثل ما في الطريق الآخر "عليكم بالموكى" أي بالأسقية التي توكى وتربط أفواهها بالوكاء وهو الخيط الذي تربط به، قال ابن قتيبة وأصل اللوث الطيُّ تقول لثت العمامة طويتها على رأسي، قال القاضي عياض: وحضهم على أسقية الأدم لأنها لرقة جلودها لا ينتهي ما فيها لحد التخمير إلا وينشق (قالوا) أي قال الوفد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلبًا منه للترخيص لهم في تلك الأواني الأربع (يا رسول الله إن أرضنا) وبلادنا بلاد البحرين (كثيرة الجرذان) والفيران (ولا تبقى بها) أي فيها (أسقية الأدم) أي لا يطول بقاء أواني الجلد المدبوغ فيها ولا تدوم لأنَّ الجرذان تأكلها.
قال النواوي: قوله (كثيرة الجرذان) كذا ضبطناه كثيرة بالهاء في آخره ووقع في كثير من الأصول كثير بغير هاء قال ابن الصلاح: صح في أصولنا كثير بغير هاء التأنيث، والتقدير فيه على هذا أرضنا مكان كثير الجرذان ومن نظائره قوله تعالى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: ٥٦] والجرذان بكسر الميم وإسكان الراء وبالذال المعجمة جمع جُرذ بضم الجيم وفتح الراء كصُرد وصردان، والجُرذ أطلق كثير من المحدثين أنَّه الفأرة وقيل ذكرها وقيل نوع منها كبار، وقال بعضهم هو الضخم من الفيران ويكون في الفلوات ولا يألف البيوت ذكره الفيومي في المصباح المنير (فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وإن أكلتها الجرذان) أي اشربوا في أسقية الأدم لا في الأواني الأربع المذكورة وإن أكلت تلك الأسقية الفيران وقوله (وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان) هكذا هو في الأصول مكررًا ثلاث مرات مبالغة في التأكيد والتشديد عليهم، قال القرطبي: ولم يعذرهم بذلك لأنهم يمكنهم التحرز بتعليق الأسقية أو باتخاذ ما يهلك الفيران من حيوان أو غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد تمسك بعض أهل العلم بظاهر هذا النهي عن الانتباذ في تلك الظروف فحمله على التحريم وممن قال هذا ابن عمر وابن عباس على ما يأتي في الأشربة فسنبين هنالك