لشدة بكائه، ولفظ البخاري في باب جوائز الوفد من أواخر كتاب الجهاد (حتى خضب دمعه الحصباء) ولعل بكاء ابن عباس لكونه تذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجدد له الحزن عليه، ويحتمل أن يكون انضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية كذا في فتح الباري [٨/ ١٠٠].
قال سعيد بن جبير:(فقلت) لابن عباس: (يا ابن عباس) ما سبب قولك (وما يوم الخميس) وما مرادك به فـ (قال) ابن عباس قلت ذلك لأنه قد (اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم الخميس (وجعه) أي مرضه الذي مات به، وزاد البخاري في باب الجهاد (يوم الخميس) وهذا يؤيد أن ابتداء مرضه كان قبل ذلك وإنما اشتد وجعه يوم الخميس، ووقع في الرواية الآتية عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لما حُضر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الحاء وكسر الضاد يعني لما حضره الموت وفي إطلاق ذلك تجوّز فإنه عاش بعد ذلك إلى يوم الاثنين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (ائتوني) بأداة كتابة من ورق وقلم إن أتيتموني بها (أكتب لكم كتابًا) فيه بيان مصالح أموركم الدينية والدنيوية لكيـ (لا تضلوا بعدي) عن طريق الحق والدين القويم وهو بالنصب بأن مضمرة بعد لام كي على تقدير لام كي كما قدرناه ولا نافية، وفي بعض الهوامش حُذفت النون لجزمه بالطلب السابق لأنه بدل من جواب الأمر، وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز قاله ابن حجر في باب كتابة العلم من علم صحيح البخاري وتأتي رواية لا تضلون بإثبات النون وسيأتي الكلام على هذا الكلام. الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته بعد رواية واحدة إن شاء الله تعالى.
قال القرطبي: قوله: (ائتوني) لا شك أن هذا أمر وطلب توجه لكل من حضر فكان حق كل من حضر المبادرة إلى الامتثال لا سيما وقد قرنه بقوله: لا تضلون بعده لكن ظهر لعمر ولطائفة معه أن هذا الأمر ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء كما قال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ}[النحل / ٨٩] ومع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع فكره أن يتكلف من