حتى في الواجب وهذا لعلو مناصب الأنبياء وكمال معرفتهم بالله تعالى يُناقشون ويُعاتبون على ما لا يُعاقب عليه غيرهم كما قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق لوط: "ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" متفق عليه فعتب عليه نطقه بكلمة يسوغ لغيره أن ينطق بها اهـ من المفهم.
(فلم يقل) سليمان (ونسي) بتلك الكلمة أي لم ينطق بها ذهولًا ونسيانًا أنساه الله تعالى إياها لينفذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه من جعل ذلك النسيان سببًا لعدم وقوع ما تمناه وقصده سليمان - عليه السلام - أي لم ينطق بلفظ إن شاء الله بلسانه وليس المراد أنه غفل عن التفويض إلى الله بقلبه فإن اعتقاد التفويض مستمر له لكنه نسي أن يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين كما في الفتح، وذكر النووي أن بعض الأئمة ضبط قوله:(ونسي) بضم النون وتشديد السين وهو ظاهر حسن اهـ.
(فلم تأت) أي فلم تلد (واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق كلام) أي بنصف ولد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو قال) سليمان: (إن شاء الله لم يحنث) أي لم يقع عليه الحنث بعدم ولادتهن لأنه إذا قال ذلك علق بالمشيئة، والتعليق بالمشيئة يرفع اليمين أي يمنع انعقادها، وقد قدمنا أن قول سليمان - عليه السلام - لأطوفن كان يمينًا بتقديم المقسم به ولذلك عبّر عن عدم حصول ما تمناه بالحنث، ويحتمل أيضًا أن لا يكون يمينًا وإنما عتر بلفظ الحنث مجازًا عن عدم حصول ما قصده، ثم قوله:(لم يحنث) يحتمل لمعنيين: الأول: أن سليمان - عليه السلام - لو قال: إن شاء الله، لأنجز الله تعالى له ما أراد وولدت كل امرأة من نسائه ولدًا مجاهدًا ولوقع ما أقسم عليه فلم يحنث، والثاني: أن قوله إن شاء الله كان استثناء في اليمين فلو قال ذلك بطل انعقاد اليمين فلم يحنث ولو لم يقع ما أقسم عليه ومن أجل هذا المعنى الثاني ذكره المحذثون في باب الاستثناء في اليمين وهذا هو الراجح هاهنا فكأنه قال لو قال سليمان: إن شاء الله لم يحنث لعدم انعقاد اليمين ولوقع حينئذٍ ما أراد والله أعلم.
(وكان) الاستثناء بقوله: إن شاء الله (دركًا له) أي وكان الاستثناء له سبب إدراك ولحوق (في حاجته) ووصول إليها، وقال ابن حجر: وهو تأكيد لقوله: لم يحنث،