رجل ذراعه فإنه يتبادر منه أن الرجل العاض غير يعلى بن منية ورجح القرطبي هذا الاحتمال لجلالة يعلى وفضله واستبعد أن يقع منه ذلك وتبعه النووي فقال: والصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى لا يعلى كما مر آنفًا ولكن تعقبهم الزين العراقي في شرح الترمذي كما حكى عنه البدر العيني في العمدة [١١/ ٢٠٧] والحافظُ في الفتح [١٢/ ٢٢٠] فقال: ليس في رواية مسلم ولا في رواية غيره من الكتب الستة ولا غيرها أن يعلى هو المعضوض لا صريحًا ولا إشارة فيتعين أن يعلى هو العاض ويظهر من مجموع روايات هذه القصة صحة ما قاله العراقي فقد صرح عمران بن حصين في رواية الباب أن يعلى بن أمية أحد المتقاتلَين وصرح في رواية صفوان بن يعلى الآتية أن أجير يعلى هو المعضوض فتلخص من الروايتين أن يعلى هو العاض وأجيره هو المعضوض ووقع في رواية محمد بن مسلم عن صفوان عند النسائي أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فاستأجر أجيرًا فقاتل رجلًا فعض الرجل ذراعه وهذا صريح في أن العاض خصم الأجير وهو يعلى وأما استبعاد القرطبي أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له من ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح وقال الحافظ فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه فلا استبعاد وأما ما ذكره النووي من تعدد القصة فلا يخفى بعده لأن الحديث واحد والسياق واحد والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فانتزع) المعضوض (يده) أي جذبه (من فمه) أي من فم العاض (فنزع) المعضوض أي أسقط المعضوض بسبب نزع يده من فم العاض (ثنيته) أي ثنية العاض والثنية واحد الثنايا وهي مقدم الأسنان (وقال ابن المثنى) في روايته (ثنيتيه) بصيغة التثنية يعني سقطت كلتا ثنيتيه ووقع في رواية ابن سيرين الآتية وفي رواية الكشميهني لصحيح البخاري ثناياه بصيغة الجمع واختلفت الروايات بين الإفراد والتثنية والجمع وقال العيني في عمدة القاري [١١/ ٢٠٧] والتوفيق بين هذه الروايات أن الاثنين يطلق عليهما صيغة الجمع وأن رواية الإفراد على إرادة الجنس كذا قيل لكن يعكر عليه رواية محمد بن علي (فانتزع إحدى ثنيتيه) فعلى هذا يُحمل على التعدد ولكن استبعد الحافظ حمله على التعدد لاتحاد مخرج الحديث.
فالظاهر أن أحد الرواة وهم في تعيين عدد الساقطة من الثنايا وقدمنا مرارًا أن الرواة إنما يعتنون بحفظ أصل القصة ولا يبالون بتفصيل جزئياتها في كثير من المواقع