بعض من يبلغه) بصيغة المجهول (يكون أوعى) وأحفظ (له من بعض من سمعه) مني.
قوله:(فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) بهذا الحديث وأشباهه كفر الخوارج عليًّا ومعاوية وأصحابهما وهذا إنما صدر عنهم لأنهم سمعوا الأحاديث ولم تحط بها فهومهم كما قرؤوا القرآن ولم يجاوز تراقيهم فكأنهم ما قرؤوا قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُمْ} [الحجرات / ٩، ١. [فأبقى عليها اسم الإيمان وأخوته مع أنَّهم قد تقاتلوا وبغت إحداهما على الأخرى وقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء / ٤٨ و ١١٦] والقتل ليس بشرك بالاتفاق والضرورة وكأنهم لم يسمعوا قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا بالحق فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له" متفق عليه وإنما يُحمل الحديث على التشبيه تغليظًا وذلك أن المسلمين إذا تحاجزوا وتقاتلوا فقد ضلت الطائفة الباغية منهما أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق وكفرت حق الأخرى وحرمتها وقد تشبها بالكفار وكأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ما يكون في أمته من المحن والفتن فحذر من ذلك وغلظه بذلًا للنصيحة ومبالغة في الشفقة عليهم صلى الله عليه وسلم قوله: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب) أمر غائب بتبليغ العلم ونشره فهو فرض من فروض الكفايات من التبليغ وعليه فالباء مفتوحة واللام مشددة مكسورة وقيل: إنه من الإبلاغ فباؤه ساكنة ولامه مخففة ومراده بالشاهد الحاضر في المجلس والمقصود إما تبليغ القول المذكور وإما تبليغ جميع الأحكام وفيه الأمر بالتبليغ والحضُّ عليه.
وقوله:(فلعل بعض من يبلغه) بالبناء للمجهول (يكون أوعى) وأحفظ (له) أي لما قلته (ممن سمعه) مني والوعي الحفظ والفهم والقبول قال الزبيدي يقال وسماه أي الشيء أو الحديث يعيه وعيًا إذا حفظه وفهمه وقبله فهو واع ومثله حديث أبي أُمامة (لا يعذب الله قلبًا وعى القرآن) قال ابن الأثير: أي عقله إيمانًا به وعملًا فأما من حفظ ألفاظه وضيع حدوده فإنَّه غير واع له كذا في تاج العروس واحتج به العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه إذا ضبط ما يحدث به كذا في النووي وفيه جواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء وأنه قد