السارق كان معلومًا عندهم قبل الإِسلام ونزل القرآن بقطع السارق فاستمر الحال فيه وقد عقد ابن الكلبي بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة وقولنا: والمراد بالسارق جنسه فيشمل السارقة أو يقال يعرف حكمها بنص الآية والمقايسة والمراد يمينه لقراءة ابن مسعود (فاقطعوا أيمانهما) والمراد إلى الرسغ وقد أجمع المسلمون على أن اليمنى تقطع إذا وجدت لأنها الأصل في محاولة كل الأعمال والسرقة هي أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه من حرز مثله فلا يقطع مختلس ولا منتهب وجاحد لنحو وديعة وعند التِّرْمِذِيّ مما صححه (ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع) قال القرطبي: وإنما خص الشرع القطع بالسارق لأن أخذ الشيء مجاهرة يمكن أن يسترجع منه غالبًا والخائن مكنه رب الشيء منه وكان متمكنًا من الاستيثاق بالبينة وكذلك المعير ولا يمكن شيء من ذلك في السرقة فبالغ الشرع في الزجر عنها لما انفردت به عن غيرها بقطع اليد اهـ والمنتهب من يأخذ المال جهارًا اعتمادًا على قوته والمختلس من يأخذه اعتمادًا على هربه قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وإن الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستعداء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنَّه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه اهـ (في ربع دينار) بضم الباء ويسكن (فصاعدًا) قال صاحب المحكم: يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال ابن جني: هو منصوب على الحال المؤكدة عاملها وصاحبها محذوف وجوبًا تقديره ولو زاد العدد حالة كونه صاعدًا ومن المعلوم أنَّه إذا زاد لم يكن إلَّا صاعدًا وقد بسطنا الكلام على هذه الحال في كتابنا نزهة الألباب على ملحة الإعراب فراجعه إن شئت وتمسك الشَّافعيّ رحمه الله تعالى بهذا الحديث في أن نصاب السرقة ربع دينار وقد اختلف الفقهاء في تعيين نصاب السرقة اختلافًا شديدًا فنذكر فيه أقوالًا آتية والدينار قيمته اثنا عشر درهمًا وربعه ثلاثة دراهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [٦/ ٣٦] وأبو داود [٤٣٨٣] والتِّرمذيّ [١٤٤٥] , والنَّسائيّ [٨/ ٧٩] , وابن ماجه [٢٥٨٥].