يكون أبلغ) أي أكثر بلاغة وفصاحة وفطانة (من بعض) آخر منهم (فأحسب) أنا أي أظن بفصاحة قوله وبيان كلامه (أنَّه صادق) في دعواه فيه دليل على العمل بالظنون وبناء الأحكام عليها وهو أمر لم يختلف فيه في حق الحاكم والمفتي (فأقضي) أي فأحكم (له) بظاهر قوله على المدعى عليه (فمن قضيت) وحكمت (له بحق مسلم) أي بمال امرئ معصوم في نفسه وماله أو في ماله والتقييد بالمسلم ثم خرج مخرج الغالب وليس المراد به الاحتراز من الكافر فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد في هذا كمال المسلم أي قضيت له قطعة من مال مسلم ونحوه (فإنما هي) أي تلك القطعة التي حكمت له (قطعة من النار) أي ما يأخذه بغير حق سبب يوصل آخذه إلى النار وهو تمثيل يفهم منه شدة العذاب والتنكيل (فليحملها) أي فليأخذ تلك القطعة إن شاء (أو يذرها) أي أو يتركها إن شاء لفظه لفظ الأمر ومعناه التهديد والوعيد فليس للتخيير نظير قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.
وقوله:(فلا يأخذها) نص في أن حكم الحاكم على الظاهر لا يغير حكم الباطن وسواء كان ذلك في الدماء والأموال والفروج وهو قول كافة العلماء إلَّا ما حكي عن أبي حنيفة من أن حكم الحاكم يغير حكم الباطن في الفروج خاصة.
(تتمة) قد اتفق الأصوليون على أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ في الأحكام فالجواب أنَّه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصوليين لأن مراد الأصوليين فيما حكم فيه باجتهاده فهل يجوز أن يقع فيه خطا فيه خلاف الأكثرون على جوازه ومنهم من منعه فالذين جوزوه قالوا لا يقر على إمضائه بل يُعلمه الله تعالى ويتداركه وأما الَّذي في الحديث فمعناه إذا حكم بغير اجتهاد كالبينة واليمين فهذا إذا وقع منه ما يخالف ظاهره باطنه لا يسمى الحكم خطأ بل الحكم صحيح بناء على ما استقر به التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين فإن كان شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما وممن ساعدهما وأما الحكم فلا حيلة له في ذلك ولا عيب عليه بسببه بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد فإن هذا الَّذي حكم به ليس هو حكم الشرع والله أعلم كذا في شرح النووي والمرقاة لعلي القاري [٧/ ٢٥٣].
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال.