الخروج عن حصنهم (فأرادوك) أي طلبوا منك (أن تجعل لهم ذمة الله) تعالى وعهده (وذمة نبيه) - صلى الله عليه وسلم - على ألّا تتعرض لهم بقتل أو غيره (فلا تجعل لهم) على ذلك (ذمة الله ولا ذمة نبيه) - صلى الله عليه وسلم - (ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك) أي عهدك وعهد سريتك على ألّا تتعرضوا لهم إذا نزلوا من الحصين (فإنكم أن تخفروا) وتنقضوا بضم التاء من أخفر الرباعي وبفتحها وكسر الفاء من خفر الثلاثي من باب ضرب يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته إذا أجرته وأمنته وحميته (ذممكم) أيها الأمير مع سريتك (وذمم أصحابك) من سائر المسلمين (أهون) وأيسر (من أن تخفروا ذمة الله وذمه رسوله) وهذا على وجه الاحتياط والإعظام لعهد الله خوفًا أن يتعرض لنقضه من لا يعرف حقها من جهلة الأعراب وسواد الجيش اهـ أبي قال النووي: فالنهي نهي تنزيه اهـ.
والمعنى أي لا تجعل لهم ذمة الله فإنَّه قد ينقضها من لا يعرف حقها بالتعرض لهم بقتل مثلًا وإن الإخفار بذمة الله أشد خطرًا من إخفار ذمة العباد وقال السرخسي في شرح السير الكبير [١/ ٣١] وإنما كره ذلك لا على وجه التحريم بل للتحرز من الإخفار عند الحاجة فكان الأوزاعي يقول: لا يجوز إعطاء ذمة الله للكفار ويتمسك بظاهر الحديث فمقتضى مطلق النهي حرمة المنهي عنه وإنما كره له ذلك لمعنى في غير المنهي عنه وهو أنهم قد يحتاجون إلى النقض لمصلحة يرونها في ذلك فأن ينقضوا عهدهم أهون من أن ينقضوا عهد الله ورسوله وذلك لا بأس به عند الحاجة إليه قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال: ٥٨](وإذا حاصرت أهل حصن) وقلعة مثلًا ومنعتهم من النزول (فأرادوك) أي فطلبوا منك (أن تنزلهم) من حصنهم برفع الحصار وتركه (على حكم الله) أي على ما حكم الله فيهم من القتل أو الاسترقاق أو الفداء أو المن (فلا تنزلهم) من حصنهم (على حكم الله) تعالى حمل محمَّد بن الحسن النهي فيه على التحريم وحمله أبو يوسف على التنزيه قال العثماني في إعلاء السنن وقول محمَّد عندي أولى