العلماء إنما سأل عن قريب النسب لأنه أعلم بحاله وأبعد من أن يكذب في نسبه وغيره (فقال أبو سفيان فقلت) لهرقل: (أنا) أقربهم إليه نسبًا (فأجلسوني) أي أجلسني خدمه (بين يديه) قريبًا وأجلسوا أصحابي أي رفقتي من قريش (خلفي) أي من ورائي قال بعض العلماء: إنما فعل ذلك ليكون عليهم أهون في تكذيبه إن كذب لأن مقابلته بالكذب في وجهه صعبة بخلاف ما إذا لم يستقبله (ثم دعا) هرقل (بترجمانه) بفتح التاء وضم الجيم وهو الأرجح عند النووي ويجوز فتح التاء والجيم فيما حكاه الجوهري وقيل بضمهما والتاء فيه أصلية وأنكروا على الجوهري جعلها زائدة وهو المعبر عن لغة بلغة أخرى.
(فقال) هرقل (له) أي لترجمانه (قل لهم) أي لهؤلاء الذين أجلسوا وراءه (إني سائل هذا) الرجل الذي يزعم أنه أقرب منه نسبًا يعني أبا سفيان (عن الرجل الذي يزعم أنه نبي) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن كذبني) هذا المسؤول أي أخبرني بالكذب فيما سألته عنه يعني إن كذب في جواب أحد أسئلتي (فكذبوه) بكسر الذال المشددة أي أظهروا لي كذبه في جوابي (قال) ابن عباس (فقال أبو سفيان وايم الله) أي اسم الله قسمي تقدم البحث عنه بما لا مزيد عليه في الأيمان (لولا مخافة أن يوثر علي الكذب) أي لولا مخافة أن ينقل عني الكذب أي لولا مخافته موجودة (لكذبت) عليه أي لأخبرت في حقه الكذب قال الحافظ في الفتح [١/ ٣٥] وفيه دليل على أنهم يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف وفي قوله أن يؤثر دون أن يكذب دليل على أنه كان واثقًا منهم بعدم التكذيب إن لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابًا وفي رواية ابن إسحاق التصريح بذلك ولفظه فوالله لو قد كذبت ما ردوا علي ولكني كنت امرأَ سيدًا أتكرم عن الكذب وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به فلم أكذبه (ثم قال) هرقل (لترجمانه سله) أي سل هذا الرجل المسؤول يعني أبا سفيان (كيف حسبه) أي شرفه الثابت له ولآبائه (فيكم)