ورئيسهم وملكهم فيه أن المكتوب إليه يخاطب بملاطفة وتعظيم يليق بمرتبته المعروفة بين الناس ولو كان كافرًا أو فاسقًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطبه بمجرد اسمه بل وصفه بكونه عظيم الروم وذكر العلماء أنه صلى الله عليه وسلم لم يصفه بقوله ملك الروم لما فيه من تسليم الملك والسلطنة له ولم يكن ذلك مقصودًا والله سبحانه وتعالى أعلم.
(سلام على من اتبع الهدى) قال العيني في العمدة [١/ ١١٧] فيه حجة لمن منع أن يبتدأ الكافر بالسلام وهو مذهب الشافعي وأكثر العلماء وأجازه جماعة مطلقًا وجماعة للاستيلاف أو الحاجة وقد جاء النهي عنه في الأحاديث الصحيحة وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام الحديث وقال البخاري وغيره ولا يسلم على المبتدع ولا على من اقترف ذنبًا كبيرًا أو لم يتب منه (أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام) بكسر الدال مصدر بمعنى الدعوة أي بدعوة الإسلام وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة وفي الرواية الآتية (بداعية الإسلام) وهي مصدر بمعنى الدعوة كالعافية وهي بمعنى الرواية الأولى (أسلم) بكسر اللام أمر من الإسلام أي ادخل في الإسلام (تسلم) بفتح اللام مضارع من السلامة مجزوم بالطلب السابق وهذا كلام في غاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ومن عذاب الآخرة (أسلم) بكسر اللام أمر من الإسلام كلام مستأنف جوابه (يؤتك الله أجرك مرتين) أي من جهة إيمانه بنبيه ثم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو من جهة أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه (وإن توليت) أي أعرضت عن الإسلام (فإن عليك) مع إثمك (إثم الأريسيين) بفتح الهمزة وتشديد الياء بعد السين جمع أريسي أي إثم الأكارين وهم الفلاحون والزراعون ونسبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا اهـ من الإرشاد باختصار وفي الرواية الآتية (اليريسيين) بالياء بدل الهمزة واختلفوا في المراد به على أقوال الأول أنهم الأكارون والفلاحون وكنى به عن رعاياه لأنهم أكارون في الغالب والمراد أنك لو امتنعت من الإسلام امتنع معك رعاياك من أجلك فيكون عليك إثم امتناعهم وهذا القول هو الراجح عند أكثر الشراح لأنه وقع في رواية ابن إسحاق عن الزهري (عليك إثم