سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول أهل مكة لقتالهم في بدر وفقدوا عير أبي سفيان تشاور مع أصحابه مرة ثانية في موضع يسمى بالصفراء ليلتقي أبا جهل ومن معه في بدر فلما عرف أصحابه أن وراء هذه المشاورة معركة شديدة أعرض عنها من أعرض ولو كان الأمر مجرد الإغارة على عير أبي سفيان كما حصلت المشاورة فيها في المدينة لما احتاجوا إلى هذه المشاورة الطويلة وبعد هذه المشاورة الثانية ذهبوا إلى بدر حتى التقى الفريقان ووقعت هناك المعركة المباركة التي أحق الله بها الحق وأبطل الباطل وقتل فيها رؤساء المشركين منهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة وغيرهم وهذه المشاورة الثانية هي التي ذكرها بقوله (قال) أنس رضي الله عنه (ف) لما شاورهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه المشاورة الثانية التي وقعت بموضع الصفراء في مقاتلة أبي جهل ومن معه قبل رجوعهم إلى المدينة (تكلم أبو بكر) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأعرض) النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن أبي بكر لما قبل هذه المشاورة ثم تكلم عمر بن الخطاب مع رسول الله (فاعرفى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن عمر بعد قبوله المشاورة وقوله فاعرض عنهما يدل على أنه لم يقنع بقولهما لأنه كان يريد أن يسمع مثل ذلك من الأنصار لأن العهد معهم ليلة العقبة إنما كان بانهم ينصرونه صلى الله عليه وسلم إن دهمه أحد في المدينة وأما نصره إن خرج إلى عدو خارجها فلم يكن مصرحًا في ذلك العهد فليس على الأنصار أن يوافقوه على مثل هذا الخروج فكان يحب أن يعرف رأيهم في قتال أهل مكة الذين نزلوا على بدر لقتاله وقوله أيضًا (ثم تكلم عمر) ذكر ابن عقبة وابن عائذ أنه قال: (يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته) اهـ من الزرقاني على المواهب والحاصل أن مشاورته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة بدر حصلت مرتين الأولى حصلت وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذكرها مسلم بقوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان) والثانية كانت بعد أن خرجوا إلى موضع الصفراء وذكرها بقوله قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه الخ ففي مسلم ذكر المشاورتين فلا معارضة بينه وبين ما ذكره أهل السير كما قال بعضهم (فقام) بعدما تكلم عمر (سعد بن عبادة فقال إيانا) معاشر الأنصار (تريد يا رسول الله)