سوف في قوله (وسوف أحدثكموه اليوم) بمعنى السِّين التي للاستقبال القريب؛ أي وسأحدثكموه اليوم أي في هذا الزمن الحاضر (و) لا أمهله عنكم لأنَّه (قد أحيط بنفسي) وروحي؛ أي قد أحاطت بجسدي مقدمات الموت واشتملت عليه وأحاطت بروحي ملائكة الموت لقبضها، فأنا قرُبتُ من الموت ويئست من الحياة والمعافاة فسأخبركموه الآن تأثمًا من كتمان العلم.
وكلمة قولهم (وقد أحيط به) في الأصل تقال في الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه فيأخذون عليه من كل الجوانب بحيث لا يبقى له في الخلاص مطمع فيقال أحاطوا به أي أطافوا به من جوانبه ومقصوده هنا قرب موتي.
وقوله (ما من حديث) إلى آخره، قال الأبي نفي الخير عن الأحاديث الذي دل عليه المفهوم إنَّما هو بالنسبة إليهم كما ذكر وإلا ففي كل حديث خير لا محالة قال القاضي عياض فيه دليل على أنَّه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل أحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه حد من حدود الشريعة، قال ومثل هذا عن الصّحابة رضي الله عنهم كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعوا إليه ضرورة أولًا تحمله عقول العامة أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والأمراء وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة وذم آخرين ولعنهم والله أعلم، ثم قال (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول من شهد) وأقر بلسانه واعتقد بقلبه (أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله) أدخله الله الجنَّة و (حرم الله) سبحانه (عليه النَّار) أي حرمه الله تعالى على النَّار فلا يدخلها ولا تحرقه.
ففي العبارة قلب أو حذف مضاف تقديره حرم الله عليه دخول النَّار، فهذه الرِّواية وإن ساقها للمتابعة تدل بمنطوقها على الجزء الأخير من الترجمة كما تدل عليه الرِّواية الأولى بمفهومها، ويستفاد من هذه الرِّواية وجوب رواية حديث فيه منفعة ومصلحة للناس، إما في الدين أو في الدُّنيا، وكتمان حديث ليس لهم فيه خير أو لا تفهمه عقولهم لئلا يفتتنوا به فيضلوا أوفيه مضرة كما مر آنفًا.