فرض الهجرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح وقال: مضت الهجرة لأهلها أي الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل فتح مكة لمواساة النبي صلى الله عليه وسلم وموازرته ونصرة دينه وضبط شريعته اهـ ومعنى (تعربت) أي استوطنت البادية وصرت أعرابيًّا بدويًا بعد هجرتك (قال) سلمة للحجاج: (لا) أي لم أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو) أي في الخروج إلى البادية وسكونها لا استيطانها.
وقد أخرج الإسماعيلي برواية حماد بن سلمة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداة فأذن له وزاد البخاري في حديث الباب عن يزيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة ولدت له أولادًا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة فاعترض عليه الحجاج واتهمه بالرجوع عن هجرته ويقال إنه أراد قتله فبين الجهة التي يريد أن يجعله مستحقًا للقتل بها وكان ذلك من جفاء الحجاج حيث خاطب هذا الصحابي الجليل بهذا الخطاب القبيح من قبل أن يستكشف عن عذره.
وقد وقع لسلمة في ذلك قصة أخرى مع غير الحجاج أخرجها أحمد عن إياس بن سلمة قال: وقدم سلمة المدينة فلقيه بريدة بن الخصيب فقال ارتددت عن هجرتك فقال معاذ الله إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: أبدوا يا أسلم يعني القبيلة المشهورة التي منها سلمة وبريدة قالوا: إنا نخاف أن يقدح ذلك في هجرتنا قال أنتم مهاجرون حيث كنتم وله شاهد من رواية عمرو بن عبد الرحمن بن جرهد قال: سمعت رجلًا يقول لجابر: من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع فقال رجل أما سلمة فقد ارتد عن هجرته فقال: لا تقل ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأسلم: ابدوا قال إنا نخاف أن نرتد بعد هجرتنا قال أنتم مهاجرون حيث كنتم وسند كل واحد منهما حسن كما في فتح الباري.
ثم إن سلمة بن الأكوع كانت له أعذار متعددة في سكونه البادية الأول ما ذكره هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له ولقبيلته والثاني أنه إنما سكن البادية فرارًا من الفتنة