وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم ومنها أنهم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها ومنها أن الأرواح مستقرها أفنية قبورها ومنها أنها مرسلة تذهب حيث شاءت ومنها أن أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم وما إلى ذلك من الأقوال وقد بسط ابن القيم في كتاب الروح على هذه المسألة ثم لخص ما وصل إليه كما يلي الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهي أرواح الأنبياء صلواته وسلامه عليهم وهم مفتاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم بل من الشهداء من تحبس روحه من دخول الجنة لدين عليه أو غيره ومنهم من يكون محبوسًا على باب الجنة ومنهم من يكون محبوسًا على قبره ومنهم من يكون مقره باب الجنة ومنهم من يكون محبوسًا في الأرض لم تعل روحه إلى الملأ الأعلى فإنها كانت روحًا سفلية أرضية ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد بل روح في أعلى عليين وروح أرضية سفلية لا تصعد من الأرض.
وأنت إذا تأملت السنن والآثار في هذا الباب وكان لك بها فضل اعتناء عرفت حجة ذلك ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضًا فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضًا لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنًا غير شأن البدن وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه وهي أسرع شيء حركة وانتقالًا وصعودًا أو هبوطًا وإنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير فهناك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة وهنالك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق وما أشبه حالها في هذا البدن بحال البدن في بطن أمه وحالها لها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار فلهذه الأنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها الدار الأولى في بطن الأم وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث والدار الثانية هي الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاوة والدار الثالثة دار البرزخ وهي أوسع من هذه الدار وأعظم بل نسبتها إليها كنسبة