والحزن والعذاب بالانتظار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فنسأل الله العافية منها كما أنه يحصل للمؤمن عند عرض الجنة من الفرح والسرور والتنعم بانتظار المحبوب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فإذا أعيدت الأرواح إلى الأجساد استكمل كل فريق منهم ما أعد الله له وبهذا الذي ذكرناه تلتئم الأحاديث وتتفق والله الموفق وقد حصل من مجموع الكتاب والسنة أن الأرواح باقية بعد الموت وأنها منعمة أو معذبة إلى يوم القيامة.
وقد اختلف الناس في الأرواح قديمًا وحديثًا ما هي وعلى أي حال هي اختلافًا كثيرًا واضطربوا فيها اضطرابًا شديدًا الواقف عليه يتحقق أن الكل منهم على غير بصيرة منها وإنما هي أقوال صادرة عن ظنون متقاربة ولا يشك أنه مما انفرد الله تعالى بعلم حقيقته وعلى هذا المعنى حمل أكثر المفسرين قوله تعالى:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا}[الإسراء: ٨٥] فليقطع العاقل طمعه من علم حقيقته ولينظر هل ورد في الأقوال الصادقة ما يدل على شيء من صفته وعند تصفح ذلك واستقراء ما هناك يحصل للباحث أن الروح أمر ينفخ في الجسد ويقبض ويتوفى بالنوم والموت ويؤمن ويكفر ويعلم ويجهل ويفرح ويحزن ويتنعم ويتألم ويخرج ويدخل والإنسان يجد من ذاته بضرورته قابلًا للعلوم وأضدادها وللفكر وأضداده ولغير ذلك من المعاني فيحصل من مجموع تلك الأمور على القطع بأن الروح ليس من قبيل الأعراض لاستحالة كل ما ذكر عليها فيلزم أن يكون الروح من قبيل ما يقوم بنفسه وأنه قابل للإعراض وهل متحيز أو ليس بمتحيز ذهبت طوائف من الأوائل ومن نحا نحوهم من الإسلاميين إلى أنه قائم بنفسه غير متحيز وذهب أكثر أهل الإسلام إلى أن ذلك من أوصاف الحق سبحانه وتعالى الخاصة به وأنه لا تصح مشاركته في ذلك لأدلة تذكر في علم الكلام وأن الروح قائم بنفسه متحيز فهو من قبيل الجواهر اهـ من المفهم.
قوله (أرواحهم في جوف طير) هذا أحد ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيين مستقر أرواح الشهداء وها هنا مباحث الأول في مستقر الأرواح بعد الموت وقد اختلف العلماء فيه قديمًا وحديثًا وقد محمد ابن القيم في ذلك نحوًا من سبعة عشر قولًا منها أن أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم وهذا مذهب أبي هريرة