إلى الدنيا والقتل مرة أخرى فليس مما سئلوا عنه لأنه يتعلق بدار العمل التي انقضى أجلها ولم يكن هذا السؤال إلا إكرامًا لهم وزيادةً في الإنعام ليعطوا ما يشتهونه في هذا العالم لا في العالم الماضي ولم يكن جوابهم إلا اعترافًا بنهاية من الإكرام وشكرًا عليه وأنهم ليس لهم حاجة ممكنة إلا وقد قضاها الله تعالى لهم اهـ تكملة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في التفسير (٤٠٩٨) وابن ماجه في الجهاد (٢٨٢٨) قال القرطبي ومعنى حياة الشهداء أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم بأن جعلت في جوف طير كما في هذا الحديث أو في حواصل طير خضر في الحديث الآخر صيانة لتلك الأرواح ومبالغة في إكرامها لإطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف الذي لا يحجب عما وراءه ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله تعالى لهم ثم إن أرواحها بعد سرحها في الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرمة مشرفة منورة عبر عنها بالقناديل لكثرة أنوارها وشدتها والله أعلم وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث.
وأما حديث مالك الذي قال فيه (إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في ثمر الجنة) رواه في الموطأ (١/ ٢٤٠) فالمراد بالمؤمن فيه الشهيد والحديثان واحد في المعنى من باب حمل المطلق على المقيد وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر (إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه إلى يوم القيامة) رواه أحمد (٥/ ٥١) والبخاري (٦٥١٥) والنسائي (٤/ ١٠٧) وابن ماجه (٤٢٧٠) فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يعرض عليه مقعده من الجنة وهو في موضعه من القبر أو الصور أو حيث شاء الله تعالى غير سارح في الجنة ولا داخل فيها وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد فينه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها على ما تقدم وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند عرض ذلك عليه كما قال تعالى في آل فرعون {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [غافر: ٤٦] وعند هذا العرض تدرك روح الكفار من الألم والتخويف