فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيئَةِ. فَقَال: يَا أَبَا مُوسَى، آنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هذَا؟ قَال: نَعَم
ــ
قال العلماء معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها قاله النووي وفي المبارق يعني كون المجاهد في القتال بحيث يعلوه سيوف الأعداء سبب الجنة حتى كأن أبوابها حاضرة معه أو المراد بالسيوف سيوف المجاهدين وهذا كناية عن الدنو إلى العدو في الضراب وإنما خص السيوف بالذكر لأنها أكثر سلاح العرب اهـ وفي المناوي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله تعالى أو المراد أن الجهاد مصيره الجنة فهو تشبيه بليغ كزيد بحر اهـ.
قال القرطبي قوله:(إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) من الاستعارة البديعة والألفاظ السهلة البليغة التي لا ينسج على منواله ولا يقدر بليغ أن يأتي بمثلها يعني بذلك أن من خاض غمرات الحروب وباشر حال المسايفة كان له جزاء الجنة وهذا من باب قوله (الجنة تحت أقدام الأمهات) رواه ابن عدي (١/ ٣٢٥) والقضاعي في الشهاب (٨٢) والخطيب في الجامع (٢/ ٢٨٩) أي من تذلل لهن وأطاعهن وصل إلى الجنة ودخلها وفي هذين الحديثين دليل على جواز استقتال الرجل نفسه في طلب الشهادة وإن علم أنه يقتل وقد فعله كثير من الصحابة والسلف وغيرهم وروي عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما وهو قول مالك ومحمد بن الحسن غير أن العلماء كرهوا فعل ذلك لرئيس الكتيبة لأنه إن هلك هلك جيشه وقد روي عن عمر أيضًا كراهية الاستقتال وقال لأن أموت على فراشي أحب إلي من أقتل بين يدي صف يعني مستقتلًا ورأى بعض العلماء هذا الفعل من إلقاء اليد إلى التهلكة المنهي عنه.
قلت: وفي هذا بعد من وجهين أحدهما أن أحسن ما قيل في الآية يعني بها قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أنها فيمن ترك الاتفاق في الجهاد وثانيهما أن عملًا يفضي صاحبه إلى الشهادة ليس بتهلكة بل التهلكة الإعراض عنه وترك الرغبة فيه ودل على ذلك الأحاديث المتقدمة كلها فلا يعدل عنها اهـ مفهم.
(فقام رجل) لم أر من ذكر اسمه (رث الهيئة) والثياب أي باليها وخلقها قال في القاموس يقال رث الهيئة أي باذها وخلقها ويقال في هيئته رثاثة أي بذاذة (فقال) ذلك الرجل (يا أبا موسى آنت) أي هل أنت (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا) الكلام يعني قوله (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوت)(قال) أبو موسى (نعم)