طلبه من قولهم فزعت إلى كذا إذا أقبلت عليه وتفرغت له ومنه قوله الشاعر:
فزعت إليكم من بلايا تنوبني ... فألفيتكم منها كريمًا ممجدًا
وقد دل على ذلك قوله فكنت أولى من فزع أي أولى من أخذ في طلبه وليس هو من الفزع الذي هو الذعر والخوف لأنَّه قد قال قبل هذا فخشينا أن يقتطع دوننا ثم رتب فزعنا عليه بفاء التعقيب المشعرة بالتسبب، والفزع لفظ مشترك يطلق على ذينك المعنيين وعلى الإغاثة اهـ. قال القاضي عياض: الفزع يكون بمعنى الخوف وبمعنى الهيوب للشيء والاهتمام به وبمعنى الإغاثة والمعاني الثلاثة صالحة للإرادة هنا أي ذعرنا لاحتباس النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عنا، والأظهر أنَّه الهيوب وقول القرطبي: لا يصح إرادة الخوف لقوله (فخشينا) ثم رتب عليه بفاء السبب (ففزعنا) تعقبه الأبي بأن كونه بمعنى الخوف لا يمنع من عطفه ويكون من عطف الشيء على نفسه إرادة الاستمرار نحو {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} أي فكذبوا تكذيبًا بعد تكذيب اهـ.
قال أبو هريرة (فكنت أول من فزع) وبادر في طلبه (فخرجت) من بين القوم حالة كوني (أبتغي) وأطلب (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) فتتبعت أثره ومشيت وراءه (حتَّى أتيت) وجئت (حائطًا) أي بستانًا وسمي بذلك لأنَّه محوط بحائط لا سقف له (لـ) ـبعض (الأنصار) وقوله (لبني النجار) جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله للأنصار بدل بعض من كل وهم بطن معروف من الخزرج (فدرت به) أي فطفت وجلت حولى ذلك الحائط قائلًا في نفسي (هل أجد له) أي لذلك الحائط (بابا) ومدخلًا أدخل به لأطلب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في ذلك الحائط (فلم أجد) له بابا ومدخلًا وإذا في قوله (فإذا ربيع) فجائية وربيع مبتدأ أو جملة (يدخل) صفة له والخبر محذوف أي فإذا ربيع يدخل في الحائط موجود والمعنى فدرت بالحائط فلم أجد له مدخلًا ففاجأني ربيع ونهر صغير يدخل (في جوف حائط) أي في وسط ذلك الحائط جارٍ ماؤه (من) ماء (بئر خارجة) عن ذلك الحائط.
وقوله (والربيع الجدول) -أي النهر الصَّغير والساقية كلام- مدرج من الراوي.