للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هُرَيرَةَ"؛ وَأَعْطَانِي نَعْلَيهِ، قَال: "اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَينِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائطِ، يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ مُسْتَيقِنًا بِهَا قَلْبُهُ .. فَبَشِّرْهُ بِالْجَنةِ"،

ــ

فخبره مقبول وقوله (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (اذهب) وارجع إلى النَّاس (بنعلي هاتين) فيه فائدة لطيفة فإنَّه أعاد لفظة (قال) لطول الكلام وحصول الفصل بقوله: (يا أبا هريرة؛ وأعطاني نعليه) وهذا حسن شائع في كلام العرب بل جاء أيضًا في كلام الله تعالى في قوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} قال الواحدي: قال محمَّد بن يزيد: قوله تعالى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} تكرير للأول لطول الكلام، قال ومثله قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)} أعاد أنكم لطول الكلام والله أعلم اهـ. نووي.

وأمَّا إعطاؤه النعلين فلتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم يعرفون بها أنَّه لقي النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ويكون أوقع في نفوسهم لما يخبرهم به عنه صَلَّى الله عليه وسلم ولا ينكر كون مثل هذا تأكيدًا وإن كان خبره مقبولًا بدون هذا والله أعلم اهـ منه.

وقال القرطبي: وفي دفع النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم لأبي هريرة بنعليه دليل على جواز عَضُدِ خبر الواحد بالقرائن تقوية لخبره، وإن كان لا يتهم، وفيه اعتبار القرائن والعلامات والعمل على ما تقتضيه من الأعمال والأحكام انتهى.

قوله (فمن لقيت) إلخ معطوف على اذهب على كونه مقولًا لقال ومن شرطية أي قال لي: اذهب بنعليَّ هاتين، و (من) لقيت ورأيت (وراء هذا الحائط) وخارجه حالة كونه (يشهد) ويقر (إن لا إله إلَّا الله) حالة كونه (مستيقنًا) أي موقنًا (بها) أي بمعنى هذه الكلمة مع عديلتها محمَّد رسول الله (قلبه) فاعل مستيقنًا (فبشره) أي بشر ذلك الذي رأيته (بالجنة) أي بدخول الجنَّة دار الكرامة.

قال النووي: معنى هذا الكلام أخبرهم أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنَّة وإلا فأبو هريرة لا يعلم استيقان قلوبهم، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنَّه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون المنطق، ولا المنطق دون الاعتقاد بل لا بد من الجمع بينهما، وقد تقدم إيضاحه في أول الكتاب وذكر القلب هنا للتأكيد ونفي توهم المجاز وإلا فالاستيقان لا يكون إلَّا بالقلب انتهى.

وقال القرطبي: واليقين هو العلم الراسخ في القلب الثابت فيه، يقال منه يقنت

<<  <  ج: ص:  >  >>