واختلفوا في اختصاصه بالمرأة، فمنهم من قال يكون للرجل والمرأة، ومنهم من قال: هي للمرأة خاصة، فيكون إطلاقه في الرجل مجازًا واستعارة، وقد أكثر إطلاقه في الأحاديث على الرجل (فخررت) أي سقطت (لاستي) أي على استي ودبري، والاسْتُ بكسر الهمزة اسم من أسماء المدبر، فالمستحب في مثل هذا الكناية عن قبيح الأسماء، واستعمال المجاز والألفاظ التي تُحصِّلُ الغرض ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه، وبهذا الأدب جاء القرآن العزيز والسنن كقوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وقوله: {وَكَيفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} وقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، وقد يستعملون صريح الاسم لمصلحة راجحة وهي إزالة اللبس أو الاشتراك أو نفي المجاز أو نحو ذلك كقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} وقوله صَلَّى الله عليه وسلم: "أنكتها" وكقوله صَلَّى الله عليه وسلم: "أدبر الشَّيطان وله ضراط" وكقول أبي هريرة رضي الله عنه: الحدث فساء أو ضراط، ونظائر ذلك كثير، واستعمال أبي هريرة هنا لفظ الاست من هذا القبيل والله أعلم اهـ نووي.
وعبارة القرطبي (قوله فخررت لاستي) أي على استي كما قال تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} أي عليها من الخرور وهو السقوط، وكأنه وكزه في صدره فوقع على استه، وقال القاضي عياض:(قوله فضرب عمر) لم يقصد عمر رضي الله عنه بضربه إذايته، ولا رد أمره صَلَّى الله عليه وسلام وإنما رأى المصلحة في عدم التبشير خوف الاتكال فتكثر أجورهم، والتبشير وإن كان للخواص لكن خاف أن يصل العوام، ولذا صوبه صَلَّى الله عليه وسلم مع أن المصادر عنه ليس أمرًا حقيقة بل تطييب لنفوس الصّحابة وفي الحديث إشارة أهل الفضل والوزراء على الإمام وإن لم يستشرهم، ووقفهم بعض أمره حتَّى يعرضوا عليه ما رأوه فيه ورجوع الإمام إلى صواب ذلك. اهـ
(فقال) عمر لأبي هريرة (ارجع يا أبا هريرة) إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا تبشر النَّاس بذلك قال أبو هريرة (فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأجهشت بكاءً) أي تهيأت لبكاء وأخذت فيه، قال أبو عبيد: الجهش أن يفزع الإنسان إلى الإنسان مريدًا للبكاء كالصبي يفزع إلى أمه، فقال: جهشت جهوشًا وأجهشت إجهاشًا لغتان، وقال أبو زيد جهشت للبكاء والحزن والشوق جهوشًا فهو بالجيم والشين