التبشير ورده عليَّ (قال) عمر جوابًا لاستفهامه صَلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله بأبي أنت وأمي) أي أنت مَفْدِيٌّ من كل مكروه بأبي وأمي، أو أفديك بأبي وأمي، وفي هذا جواز قول الرجل للآخر بأبي أنت وأمي، وقد كرهه بعض السلف وقال: لا يُفدَّى بمسلم، والأحاديث الصحيحة تدل على جوازه سواء كان المفدى بهما مسلمين أم لا وسواء كانا حيين أو ميتين؛ لأنَّه ليس المراد الحقيقة وإنَّما هو على معنى الحنانة والبر (أبعثت) أي هل أرسلت يا رسول الله (أبا هريرة) إلى النَّاس حالة كونه ملتبسًا (بنعلبك) على أنَّه (من لقي) ورأى من النَّاس حالة كون ذلك المَلْقِيِّ له (يشهد) ويقر (إن لا إله إلَّا الله مستيقنًا بها) أي موقنًا بمعنى هذه الكلمة (قلبه بشره بالجنة) أي بدخولها (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (نعم) أرسلته ليبشر النَّاس بالجنة (قال) عمر للنبي صَلَّى الله عليه وسلم (فلا تفعل) يا رسول الله ذلك التبشير (فإني أخشى) وأخاف (إن يتكل النَّاس) ويعتمدوا (عليها) أي على تلك الشهادة، ويكتفوا بمجردها عن إكثار الأعمال الصالحة، فليس في تبشيرهم بذلك مصلحة لهم لقلة عملهم وأجورهم حينئذ (فخلهم) يا رسول الله أي اتركهم على حالهم واجتهادهم في العمل الصالح حالة كونهم (يعملون) أي يكثرون من العمل الصالح (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) لأبي هريرة إذا كان الأمر كذلك؛ أي اتكالهم على مجرد الشهادة (فخلهم) يا أبا هريرة على حالهم، فلا تخبرهم بهذه البشارة مخافة اتكالهم على مجردها.
قال الأبي: والأظهر أن عمر لم يسمع حديث معاذ المتقدم لقوله: فإني أخشى، فهو من إلهاماته النفسية، ويكون سكوته صَلَّى الله عليه وسلم عن ذلك اتكالًا على ما سبق بيانه، وقال الأبي أيضًا: وليس هذا من النسخ قبل الفعل لأنَّه قد بلغ البعض، قال القاضي عياض: وفي هذا رجوع الإمام إلى ما ظهر له صوابه، ولا خلاف أن له صَلَّى الله عليه وسلم أن يجتهد في أمور الدُّنيا ويرجع إلى رأي غيره في ذلك كما فعل في تلقيح
(١) في نسخة: (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يا عمر).