"بشارة": وعندما وصلت إلى هذا المحل من الكتابة في جوف الليلة الحادية والعشرين من شعبان ليلة الخميس في تاريخ (٢١/ ٨ / ١٤١٩ هـ) كسلت من الكتابة ورقدت، ورأيت في المنام كأني بنيت بيتًا كان سقفه في السماء، وأركان جداره في مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها وفي قصدي جعل بعضه مساجد، وبعضه مدارس للمسلمين، والنّاس يأتون إليه ويتعجبون منه، وجاء رجل أبيض أحسن النَّاس قدًا وهيئة وجمالًا وطاف بذلك البيت وتعجب منه ويقول بصوت رفيع: رحم الله امرأ بنى بما لم يبن غيره، وأظن ذلك الرجل النبي صَلَّى الله عليه وسلم أر الإمام مسلمًا وأكبر ظني أنَّه النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، ورأيت في تلك الرؤيا بشارة عظيمة لا أستطيع وصفها الآن والحمد لله على هذه البشارة، قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} وإلى المقصود نرجع فنقول:
قال الأبي: واختلف هل له صَلَّى الله عليه وسلم أن يجتهد في الشرعيات؟ وهل هو معصوم في اجتهاده أم هو كغيره؟ والصَّواب أن له ذلك لقوله تعالى {لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ} الآية، ولحكمه برأيه في أسرى بدر، وأنَّه معصوم في ذلك لأنَّ اجتهاده ركن من أركان الشريعة تستنبط منه الأحكام ويقاس عليه فكيف يتصور فيه الخطأ ومخالفة الحق، وإنَّما الحق والصَّواب ما فعله، وإنَّما الشرع ما اجتهد فيه، وخطأ المجتهدين إنَّما هو بعدم توفيقهم إلى فهمهم مراده صَلَّى الله عليه وسلم وهذا كله على أن المصيب واحد، وأمَّا على أن كل مجتهد مصيب فالأمر واضح.
قال الأبي: جواز الاجتهاد له صَلَّى الله عليه وسلم للأكثر، وتوقف فيه إمام الحرمين، ومنعه الجبائي وابنه والإمامية، والحقُّ ما ذُكر من عصمته فيه، وحكى الطُّوسي عن جماعة: جواز ذلك عليه، قالوا: ولكن لا يقر عليه، واختاره ابن الحاجب، ولم نزل نسمع إنكار هذا القول وترجيح ابن الحاجب له انتهى.
قال القرطبي:(وأعلم) أن ضرب عمر لأبي هريرة حتَّى سقط لم يكن ليؤذيه ويوقعه، ولكن إنَّما كان ليوقفه ويمنعه من النهوض بالبشرى حتَّى يراجع النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك من عمر اعتراضًا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا ردًّا لأمره وإنَّما كان ذلك سعيًا في استكشاف عن مصلحة ظهرت له لم يعارض بها حكمًا