للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا شرعًا، إذ ليس فيما أمره به إلَّا تطييب قلوب أصحابه أو أمته بتلك البشرى، فرأى عمر أن السكوت عن تلك البشرى أصلح لهم لئلا يتكلوا على ذلك فتقل أعمالهم وأجورهم، ولعل عمر قد كان سمع ذلك من النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم كما سمعه معاذ رضي الله عنهما على ما يأتي في حديث معاذ الآتي قريبًا فيكون ذلك تذكيرًا للنبي صَلَّى الله عليه وسلم بما قد سمع منه، ويكون سكوت النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم عن ذلك تعديلًا على ما قد كان تعذر لهم تبيانه لذلك، ويكون عمر لما خصه الله تعالى به من الفطنة وحضور الذهن تذكّر ذلك واستبلد أبا هريرة إذ لم يتفطن لذلك ولا تذكره فضربه تلك الضربة تأديبًا وتذكيرًا، وفي هذا الحديث دليل على جواز تخصيص العموم بالمصلحة المشهود لها بالاعتبار، وقد اختلف فيه الأصوليون، وفيه عرض المصالح على الإمام وإن لم يستدع ذلك، وفيه أبواب لا تخفى، والله عزَّ وجلَّ أعلم انتهى.

قال النواوي: (وأعلم) أن حديث أبي هريرة هذا مشتمل على فوائد كثيرة تقدم في أثناء الكلام منه جمل ففيه جلوس العالم لأصحابه ولغيره من المستفتين وغيرهم يُعلمهم ويفيدهم ويفتيهم، وفيه ما قدمناه أنَّه إذا أراد ذكر جماعة كثيرة فاقتصر على بعضهم ذكر أشرافهم أو بعض أشرافهم، ثم قال: وغيرهم، وفيه بيان ما كانت الصّحابة عليه رضي الله تعالى عنهم من القيام بحقوق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وإكرامه والشفقة عليه والانزعاج البالغ لما يطرقه صَلَّى الله عليه وسلم، وفيه اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مقاصده، ودفع المفاسد عنه، وفيه جواز دخول الإنسان مِلك غيره بغير إذنه؛ إذا علم أنَّه يرضى ذلك لمودة بينهما أو غير ذلك، فإن أبا هريرة رضي الله عنه دخل الحائط وأقره النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يُنقل أنَّه أنكر عليه، وهذا غير مختص بدخول الأرض، بل يجوز له الانتفاع بأدواته وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته، وركوب دابته ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنَّه لا يشق على صاحبه هذا هو المذهب الصَّحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء رحمة الله تعالى عليهم، وصرح به أصحابنا، قال أبو عمر ابن عبد البر: وأجمعوا على أنَّه لا يتجاوز الطَّعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما وفي ثبوت الإجماع في حق من يقطع بطيب قلب صاحبه بذلك نظر، ولعل هذا يكون في الدراهم والدنانير الكثيرة التي يشك أو قد يشك في رضاه بها، فإنهم اتفقوا على أنَّه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقًا فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>